«جرائم» .. باسم الصداقة ! .. نشرت تاريخ 10 / 2 / 2006


للشائعة في مصر قوة خرافية تجعلها تلتهم الحقيقة، بل وتحكم العقل الجمعي أحيانا . أما «الخوف» فله قوة ثلاثية فهو أقوي من القانون وأسرع من العدالة البطيئة وله مفعول «السحر» في فتح الأبواب المغلقة واغتصاب «الفاكهة المحرمة» !.
لا أدري كم واحداً من أباطرة المال أطلق مارد الخوف من القمقم بتراتيل الشائعات، وأخذ يروج لنفسه بأنه الوجه الظاهر لبيزنس «الناس الكبار»، لكنني يقيناً وجميعكم مثلي تسمعون عن آلاف المصانع والقري السياحية والبنوك التي ترتبط بأسماء رجال من «العيار الثقيل» . إذا ما ذكرت أسماؤهم تفنن البعض في سرد المزايا والتسهيلات التي يحصلون
عليها من أراضي الدولة وصفقاتها المضمونة في مختلف المجالات . وحتي لا نذهب بعيداً سأنطلق من واقعة «صداقة» الدكتور «زكريا عزمي» رئيس ديوان رئيس الجمهورية بالمهندس «ممدوح إسماعيل» صاحب العبارة المنكوبة «سالم ٩٨» .
والصداقة من أروع العلاقات الإنسانية، فإذا جمعت بين مسؤول في منصب رفيع ورجل أعمال فهي قطعا خالية من شوائب المصلحة أو البيزنس، خاصة إذا كان رجل الأعمال هذا قيادياً بالحزب الوطني، وعضواً في مجلس الشوري «بالتعيين» أي أنه لا ينقصه «النفوذ السياسي» !. لكن حين ينفي الدكتور زكريا عزمي أي علاقة «شراكة» مع ممدوح إسماعيل فهذا معناه ـ ببساطة ـ
أن الشائعات التي كانت تملأ الشارع المصري قد وصلت إلي مسامعه، معناه أن المهندس ممدوح برع في استغلال علاقة الصداقة تلك، وتفنن في حماية سفنه المتهالكة وتراخيصها «المضروبة» بالإرهاب المعنوي للعاملين في مجالات النقل البحري والسفر، وربما التنمية السياحية أيضا «باسم الصداقة!». وهنا لا يمكن أن نلوم رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فلا يعقل لشخص ناضج ومسؤول أن يتتبع أصدقاءه أو يراقبهم، أو يطلب منهم إقرار ذمة مالية وشهادة حسن سير وسلوك عند كل مقابلة . قطعا أي مسؤول تعرض لاستغلال «اسمه» معذور إلي حد كبير، لكن هذا لا يعفيه من مسؤولية ولو «محدودة» .
في الواقعة التي نتكلم عنها ظلت وسائل الإعلام تلمح بأن هناك ٧٠ مليون مصري يعرفون من هو شريك «ممدوح إسماعيل» إلي أن خرج الدكتور «زكريا عزمي» نافيا تلك الشراكة علي صفحات «المصري اليوم». لكن النفي لم يشمل أسماء أخري كثيرة يحتمي خلفها بعض رجال الأعمال، ويتاجرون بها أسوأ اتجار، ليس مطلوباً بالطبع أن يقدم كل مسؤول كشفاً بأسماء أصدقائه أو «شلته»، لكن الشفافية تحتم نشر أي «بيزنس» يشارك فيه المسؤول، وأعتقد أن ذلك لم يعد عيباً في وزارة متخمة برجال الأعمال الذين لا ينفصل أداء وزاراتهم عن أنشطتهم الاستثمارية، حتي وإن تركوا إدارتها مؤقتا .
أنا أحاول الخروج معا من واقعة استغلال «ممدوح إسماعيل» لصداقته بالدكتور «زكريا عزمي» بنفع عام، فالشراكة المزعومة تم تصديقها علي مستوي الرأي العام، وجني ممدوح إسماعيل ثمارها . لكن كيف نمنع حالة «التربح بالشائعات» التي أصبحت تمس معظم المسؤولين ؟. وتحولت إلي ظاهرة بالفعل، أنا شخصياً أتعجب،
فرجال الأعمال يملكون سطوة المال والنفوذ السياسي بحكم مظلة الحزب الوطني التي تشمل معظمهم، وهؤلاء يعملون في النور دون التستر خلف «أسماء الكبار»، وهذا معناه أن الفاسدين وحدهم هم من يختلقون كذبة الشراكة مع المسؤولين، لإخفاء بيزنس الفساد الذي يحترفونه، أليس هذا أدعي للتبرؤ منهم !.
النظام الذي يرفع شعار الشفافية، لابد أن ينقي ثوب النخبة الحاكمة من ألاعيب أساطين الفساد، أليس البعد عن الشبهات سنة حسنة ؟. ليس هناك ضرر من إعلان كل مسؤول عن حجم استثماراته ـ إن وجدت ـ حتي ولو تطلب الأمر تغيير القانون أو تعديل الدستور، ليصبح لهم الحق في الاستثمار «العلني» وتحت الرقابة الشعبية، بدلاً من مشاركة أسماء مشبوهة أو ترك المنافذ مفتوحة لمن يريد استغلال أسمائهم بكل حرية . تصورا أن موظفا بسيطا فقد عقله ورفض توقيع «ورقة» يقدمها رجل أعمال يطنطن بأنه واجهة لبيزنس الكبار «يعني البك مسهناك سؤال يردده المواطن البسيط الذي يختبئ في نفس خندق الموظف الخائف: لماذا لم يتم القبض علي «ممدوح إسماعيل» كما يحدث لصاحب أي عقار ينهار، ويتحفظ عليه لحين تحديد مسؤوليته عن أرواح ضحايا عبارته؟. هل هذا سؤال يستحق أن نطير معه من أماكننا .. سنعرف في الأيام القادمةنود»، ألن يطير من مكانه «بجرة قلم» ؟ .. هذا هو الإرهاب بعينه !.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق