أحيانا أضطر لتصديق الحكومة !، لأنها تمتلك المعلومات وتتكتم عليها وكأنها أسرار حربية . من هنا قررت الاتصال بالرقم المجاني الذي أعلنته الدولة للاستفسار عن مرض أنفلونزا الطيور، وبعد معاناة طويلة مع الرقم المشغول دائما جاءني الرد، سألت : «لدينا كلب علي سطح المنزل المكشوف، وقد يأكل أي طائر يسقط ميتا علي سطح البناية .. فماذا أفعل ؟». فوجئت بالسيدة التي أجابت علي الهاتف تنادي زميلتها لتسألها :هل لديك فكرة عن الكلاب؟، وزميلتها تسأل زميلاً آخر، وحين لم تجد معلومة مؤكدة جاءتني إجابتها : لا داعي للقلق !!. قررت أن أستمر في اختبار معلوماتهم «من باب الشر» فسألتها : «أنا أسكن في شارع صلاح سالم، والشارع مليء بالطيور والغربان، والغربان تقف علي الجزء الخارجي لتكييف الهواء وتترك فضلاتها عليه .. فهل هناك نيه لاصطياد هذه الطيور؟ «كما حدث مع الطيور المنتشرة أمام حديقة الحيوان» . في هذه المرة جاءني صوتها واثقا : «يا مدام .. اغسلي التكييف بالكلور وخلاص !!».
طبعا من ساعتها وأنا «أتفاءل» بصوت الغراب، وكلما سمعت صوته أهمس لنفسي «يتحرق التكييف .. واللي عاوز يغسله». لكن منطق التعامل مع تساؤلات المواطنين باستخفاف استوقفني طويلا . هل الخطأ في المواطن «الرذل» الذي يسأل أسئلة مستعصية من عينة تربية الكلاب؟ أم العيب في الأفراد المكلفين بتوعية الموطنين؟.للحقيقة فكرت طويلا قبل نشر هذه الواقعة، واعتبرت كتابتها خروجا علي منهج طمأنة المواطنين الذي يعد واجبا قوميا، خاصة في ظل حرب الشائعات الدائرة في الشارع المصري . وتساءلت :هل المفروض أن أنضم لقافلة «سمّي وكل» ؟ وأحث المواطنين علي أكل الدجاج لإنقاذ ثروة الدواجن وأصحابها المهددين بالإفلاس .. أم علي أن أنتصر للحقيقة المؤلمة وأصارح نفسي أولا بأننا نواجه وباء أنفلونزا الطيور بـ «التصريحات» . وأن الدولة رفعت شعار: «الكلور هو الحل» سواء لتطهير مزارع الدواجن أو لتنقية مياة النيل التي لم تسلم من رمي الطيور النافقة فيها لتنضم إلي مخلفات المصانع والصرف الصحي !. وربما يأتينا تصريح لاحق من «مصدر مسؤول» ينصحنا بشرب «الكلور» قبل كل وجبة !.
لم يعد هناك مبرر لتناول الفراخ علي الملأ بعد أن قررت الدولة شراء الدواجن من أصحاب المزارع . لكن المطلب الملح ـ الآن ـ أن نجد تفسيرا لتصريحات وزير الزراعة أمين أباظة لـ «المصري اليوم» حول وجود «الحمي القلاعية» في اللحوم المصرية وسبل علاجها والسيطرة عليها . هناك أيضا حاجة ماسة للسيطرة علي فوضي الأسعار التي بدأت باللحوم والأسماك ووصلت للخضر والفاكهة، وصممت خلالها شائعة مغرضة لترويج المياه المعدنية .
في أحد التصريحات النارية لعضو مجلس الشعب «طلعت السادات» مع الإعلامي «عمرو أديب» اتهم الحزب الوطني بالتهويل من حجم كارثة أنفلونزا الطيور للتمويه علي كارثة غرق عبارة الموت . وفي رأيه ـ الذي لا أعلم إن كان جادا أم هزليا ـ أن جنود الأمن المركزي كان باستطاعتهم اصطياد الطيور المهاجرة قبل دخولها بالمرض إلي مصر !. ورغم أنها تبدو فكرة عبثية فإنها تلفت النظر لضرورة السيطرة الأمنية علي الشارع ومواجهة المتاجرين بالأزمة علنا نجد في «قانون الطوارئ» حسنة واحدة حين يحمي قوت الفقراء من نيران الغلاء . لكن للأسف حديثي هذا يتزامن مع ارتفاع سعر «السكر» واتجاه الحكومة لتخصيص الخدمات ورفع الدعم عن عدة سلع أساسية !. هل تدرك الحكومة أن عليها التمهل ـ علي الأقل ـ قبل تنفيذ تلك القرارات التي ستفجر الشارع المصري المحتقن أصلا، أم أن علي الشعب أن يأخذ الصدمات الكهربائية دفعة واحدة ليفيق من غفلته ؟. أنا شخصيا لست متفائلة بسياسات الحكومة الجديدة، ولست مقتنعة بقدرة «الكلور» علي تنقية مياه النيل من فيروس أنفلونزا الطيور «وإلا لحلت مشكلة الوباء علي مستوي العالم !!» . ولي مطلب واحد من الدولة أن تفرض عقوبة رادعة وفورية علي كل من يرمي الطيور النافقة في النيل، وأيضا علي من يتخلص من مخلفات المصانع والمستشفيات بتلويث نهر الحياة . أما غربان شارع صلاح سالم فبعدما تنقل إلينا العدوي سأقوم بدوري الوطني وأعاود الاتصال بـ «٠٨٨»!!.

