«الكلور» هو الحل !! .. نشرت بتاريخ 4 / 2 / 2006


أحيانا أضطر لتصديق الحكومة !، لأنها تمتلك المعلومات وتتكتم عليها وكأنها أسرار حربية . من هنا قررت الاتصال بالرقم المجاني الذي أعلنته الدولة للاستفسار عن مرض أنفلونزا الطيور، وبعد معاناة طويلة مع الرقم المشغول دائما جاءني الرد، سألت : «لدينا كلب علي سطح المنزل المكشوف، وقد يأكل أي طائر يسقط ميتا علي سطح البناية .. فماذا أفعل ؟». فوجئت بالسيدة التي أجابت علي الهاتف تنادي زميلتها لتسألها :هل لديك فكرة عن الكلاب؟، وزميلتها تسأل زميلاً آخر، وحين لم تجد معلومة مؤكدة جاءتني إجابتها : لا داعي للقلق !!. قررت أن أستمر في اختبار معلوماتهم «من باب الشر» فسألتها : «أنا أسكن في شارع صلاح سالم، والشارع مليء بالطيور والغربان، والغربان تقف علي الجزء الخارجي لتكييف الهواء وتترك فضلاتها عليه .. فهل هناك نيه لاصطياد هذه الطيور؟ «كما حدث مع الطيور المنتشرة أمام حديقة الحيوان» . في هذه المرة جاءني صوتها واثقا : «يا مدام .. اغسلي التكييف بالكلور وخلاص !!».
طبعا من ساعتها وأنا «أتفاءل» بصوت الغراب، وكلما سمعت صوته أهمس لنفسي «يتحرق التكييف .. واللي عاوز يغسله». لكن منطق التعامل مع تساؤلات المواطنين باستخفاف استوقفني طويلا . هل الخطأ في المواطن «الرذل» الذي يسأل أسئلة مستعصية من عينة تربية الكلاب؟ أم العيب في الأفراد المكلفين بتوعية الموطنين؟.للحقيقة فكرت طويلا قبل نشر هذه الواقعة، واعتبرت كتابتها خروجا علي منهج طمأنة المواطنين الذي يعد واجبا قوميا، خاصة في ظل حرب الشائعات الدائرة في الشارع المصري . وتساءلت :هل المفروض أن أنضم لقافلة «سمّي وكل» ؟ وأحث المواطنين علي أكل الدجاج لإنقاذ ثروة الدواجن وأصحابها المهددين بالإفلاس .. أم علي أن أنتصر للحقيقة المؤلمة وأصارح نفسي أولا بأننا نواجه وباء أنفلونزا الطيور بـ «التصريحات» . وأن الدولة رفعت شعار: «الكلور هو الحل» سواء لتطهير مزارع الدواجن أو لتنقية مياة النيل التي لم تسلم من رمي الطيور النافقة فيها لتنضم إلي مخلفات المصانع والصرف الصحي !. وربما يأتينا تصريح لاحق من «مصدر مسؤول» ينصحنا بشرب «الكلور» قبل كل وجبة !.
لم يعد هناك مبرر لتناول الفراخ علي الملأ بعد أن قررت الدولة شراء الدواجن من أصحاب المزارع . لكن المطلب الملح ـ الآن ـ أن نجد تفسيرا لتصريحات وزير الزراعة أمين أباظة لـ «المصري اليوم» حول وجود «الحمي القلاعية» في اللحوم المصرية وسبل علاجها والسيطرة عليها . هناك أيضا حاجة ماسة للسيطرة علي فوضي الأسعار التي بدأت باللحوم والأسماك ووصلت للخضر والفاكهة، وصممت خلالها شائعة مغرضة لترويج المياه المعدنية .
في أحد التصريحات النارية لعضو مجلس الشعب «طلعت السادات» مع الإعلامي «عمرو أديب» اتهم الحزب الوطني بالتهويل من حجم كارثة أنفلونزا الطيور للتمويه علي كارثة غرق عبارة الموت . وفي رأيه ـ الذي لا أعلم إن كان جادا أم هزليا ـ أن جنود الأمن المركزي كان باستطاعتهم اصطياد الطيور المهاجرة قبل دخولها بالمرض إلي مصر !. ورغم أنها تبدو فكرة عبثية فإنها تلفت النظر لضرورة السيطرة الأمنية علي الشارع ومواجهة المتاجرين بالأزمة علنا نجد في «قانون الطوارئ» حسنة واحدة حين يحمي قوت الفقراء من نيران الغلاء . لكن للأسف حديثي هذا يتزامن مع ارتفاع سعر «السكر» واتجاه الحكومة لتخصيص الخدمات ورفع الدعم عن عدة سلع أساسية !. هل تدرك الحكومة أن عليها التمهل ـ علي الأقل ـ قبل تنفيذ تلك القرارات التي ستفجر الشارع المصري المحتقن أصلا، أم أن علي الشعب أن يأخذ الصدمات الكهربائية دفعة واحدة ليفيق من غفلته ؟. أنا شخصيا لست متفائلة بسياسات الحكومة الجديدة، ولست مقتنعة بقدرة «الكلور» علي تنقية مياه النيل من فيروس أنفلونزا الطيور «وإلا لحلت مشكلة الوباء علي مستوي العالم !!» . ولي مطلب واحد من الدولة أن تفرض عقوبة رادعة وفورية علي كل من يرمي الطيور النافقة في النيل، وأيضا علي من يتخلص من مخلفات المصانع والمستشفيات بتلويث نهر الحياة . أما غربان شارع صلاح سالم فبعدما تنقل إلينا العدوي سأقوم بدوري الوطني وأعاود الاتصال بـ «٠٨٨»!!.

«جرائم» .. باسم الصداقة ! .. نشرت تاريخ 10 / 2 / 2006


للشائعة في مصر قوة خرافية تجعلها تلتهم الحقيقة، بل وتحكم العقل الجمعي أحيانا . أما «الخوف» فله قوة ثلاثية فهو أقوي من القانون وأسرع من العدالة البطيئة وله مفعول «السحر» في فتح الأبواب المغلقة واغتصاب «الفاكهة المحرمة» !.
لا أدري كم واحداً من أباطرة المال أطلق مارد الخوف من القمقم بتراتيل الشائعات، وأخذ يروج لنفسه بأنه الوجه الظاهر لبيزنس «الناس الكبار»، لكنني يقيناً وجميعكم مثلي تسمعون عن آلاف المصانع والقري السياحية والبنوك التي ترتبط بأسماء رجال من «العيار الثقيل» . إذا ما ذكرت أسماؤهم تفنن البعض في سرد المزايا والتسهيلات التي يحصلون
عليها من أراضي الدولة وصفقاتها المضمونة في مختلف المجالات . وحتي لا نذهب بعيداً سأنطلق من واقعة «صداقة» الدكتور «زكريا عزمي» رئيس ديوان رئيس الجمهورية بالمهندس «ممدوح إسماعيل» صاحب العبارة المنكوبة «سالم ٩٨» .
والصداقة من أروع العلاقات الإنسانية، فإذا جمعت بين مسؤول في منصب رفيع ورجل أعمال فهي قطعا خالية من شوائب المصلحة أو البيزنس، خاصة إذا كان رجل الأعمال هذا قيادياً بالحزب الوطني، وعضواً في مجلس الشوري «بالتعيين» أي أنه لا ينقصه «النفوذ السياسي» !. لكن حين ينفي الدكتور زكريا عزمي أي علاقة «شراكة» مع ممدوح إسماعيل فهذا معناه ـ ببساطة ـ
أن الشائعات التي كانت تملأ الشارع المصري قد وصلت إلي مسامعه، معناه أن المهندس ممدوح برع في استغلال علاقة الصداقة تلك، وتفنن في حماية سفنه المتهالكة وتراخيصها «المضروبة» بالإرهاب المعنوي للعاملين في مجالات النقل البحري والسفر، وربما التنمية السياحية أيضا «باسم الصداقة!». وهنا لا يمكن أن نلوم رئيس ديوان رئيس الجمهورية، فلا يعقل لشخص ناضج ومسؤول أن يتتبع أصدقاءه أو يراقبهم، أو يطلب منهم إقرار ذمة مالية وشهادة حسن سير وسلوك عند كل مقابلة . قطعا أي مسؤول تعرض لاستغلال «اسمه» معذور إلي حد كبير، لكن هذا لا يعفيه من مسؤولية ولو «محدودة» .
في الواقعة التي نتكلم عنها ظلت وسائل الإعلام تلمح بأن هناك ٧٠ مليون مصري يعرفون من هو شريك «ممدوح إسماعيل» إلي أن خرج الدكتور «زكريا عزمي» نافيا تلك الشراكة علي صفحات «المصري اليوم». لكن النفي لم يشمل أسماء أخري كثيرة يحتمي خلفها بعض رجال الأعمال، ويتاجرون بها أسوأ اتجار، ليس مطلوباً بالطبع أن يقدم كل مسؤول كشفاً بأسماء أصدقائه أو «شلته»، لكن الشفافية تحتم نشر أي «بيزنس» يشارك فيه المسؤول، وأعتقد أن ذلك لم يعد عيباً في وزارة متخمة برجال الأعمال الذين لا ينفصل أداء وزاراتهم عن أنشطتهم الاستثمارية، حتي وإن تركوا إدارتها مؤقتا .
أنا أحاول الخروج معا من واقعة استغلال «ممدوح إسماعيل» لصداقته بالدكتور «زكريا عزمي» بنفع عام، فالشراكة المزعومة تم تصديقها علي مستوي الرأي العام، وجني ممدوح إسماعيل ثمارها . لكن كيف نمنع حالة «التربح بالشائعات» التي أصبحت تمس معظم المسؤولين ؟. وتحولت إلي ظاهرة بالفعل، أنا شخصياً أتعجب،
فرجال الأعمال يملكون سطوة المال والنفوذ السياسي بحكم مظلة الحزب الوطني التي تشمل معظمهم، وهؤلاء يعملون في النور دون التستر خلف «أسماء الكبار»، وهذا معناه أن الفاسدين وحدهم هم من يختلقون كذبة الشراكة مع المسؤولين، لإخفاء بيزنس الفساد الذي يحترفونه، أليس هذا أدعي للتبرؤ منهم !.
النظام الذي يرفع شعار الشفافية، لابد أن ينقي ثوب النخبة الحاكمة من ألاعيب أساطين الفساد، أليس البعد عن الشبهات سنة حسنة ؟. ليس هناك ضرر من إعلان كل مسؤول عن حجم استثماراته ـ إن وجدت ـ حتي ولو تطلب الأمر تغيير القانون أو تعديل الدستور، ليصبح لهم الحق في الاستثمار «العلني» وتحت الرقابة الشعبية، بدلاً من مشاركة أسماء مشبوهة أو ترك المنافذ مفتوحة لمن يريد استغلال أسمائهم بكل حرية . تصورا أن موظفا بسيطا فقد عقله ورفض توقيع «ورقة» يقدمها رجل أعمال يطنطن بأنه واجهة لبيزنس الكبار «يعني البك مسهناك سؤال يردده المواطن البسيط الذي يختبئ في نفس خندق الموظف الخائف: لماذا لم يتم القبض علي «ممدوح إسماعيل» كما يحدث لصاحب أي عقار ينهار، ويتحفظ عليه لحين تحديد مسؤوليته عن أرواح ضحايا عبارته؟. هل هذا سؤال يستحق أن نطير معه من أماكننا .. سنعرف في الأيام القادمةنود»، ألن يطير من مكانه «بجرة قلم» ؟ .. هذا هو الإرهاب بعينه !.

هل يفتر «الحماس»؟ نشرت بتاريخ 3 / 2 / 2006


صدمة سياسية أو لنقل لطمة سياسية أصابت قادة العالم بالدوار، دوار أربك صناع عملية السلام المهترئة في الشرق الأوسط، بعد أن نجحت «حماس» في كسر حالة «الخدر» التي جمدت مصير فلسطين في غيبوبة صناعية من وعود السلام وواقع الاحتلال المر. أفاق العالم ليجد أن «ورقة المقاومة» لم تعد مجرد كارت في يد المفاوض الفلسطيني، بل إن المفاوضات نفسها لم تعد سوي «خدعة» صدقها الشعب الفلسطيني إلي درجة الملل،
وانتظرها علي حافة الاستشهاد، لكن الشعب الذي آمن بأن فرص الحياة تحققها المفاوضات، لم يجن سوي الاجتياح الإسرائيلي مرة تلو الأخري، وحين وجد الشعب الفلسطيني جدار الفصل العنصري يحجب رؤية المستقبل، والعالم يبارك - بصمته العاجز - إغلاق المعابر وقصف المدنيين، كان من الطبيعي أن يعيد الشارع الفلسطيني تقييم خياراته، وأن ينقلب علي السلطة الفلسطينية التي لم يجد منها إلا التهاون في حقوقه ورائحة الفساد بين رموزها، تلك السلطة التي عجزت حتي عن حماية رئيسها «أبو عمار» فخرج الشعب الفلسطيني إلي الشارع ليحميه بتظاهرات لفتت انتباه العالم كله آنذاك.
وفي قلب تلك الأحداث كانت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» حاضرة وفاعلة، تعيش حالة صدام متقطع مع السلطة ومصالحة دائمة مع الشارع. لم تكن تعبيراً فجاً عن مشروع ديني بقدر ما كانت بلورة لمشروع وطني يتبني خيار «المقاومة»، وسواء اختلفنا أو اتفقنا في تقدير نتائج المقاومة المسلحة علي القضية الفلسطينية فقد حسم الشارع الفلسطيني الموقف بالفوز الساحق لحركة «حماس» في الانتخابات. ربما يري المواطن البسيط أن المقاومة إن لم تكفل له فرص الحياة، فعلي الأقل تمنحه الحق في الشهادة!
علينا إذن أن نسلم بأن تركيبة الشارع العربي تتغير، بينما النخب الحاكمة غائبة، والنخب المثقفة تحيا علي إرث أيديولوجي يتحلل من الداخل!!.. الشارع لم يعد لنا، طرد أصحاب المشروع القومي، ليصبح البديل الديني سيد الموقف، وخرجت «حماس» من خندق الحركات المسلحة إلي ساحة العمل السياسي، محصنة بشرعية وجودها الراسخ في الشارع «في سيناريو أشبه بنجاح الإخوان المسلمين في مصر!».
أصبحت سلطة الحكم الآن في يدٍ اعتادت حمل السلاح ومصافحة الموت، وعلي العالم كله أن ينحني لنتائج الديمقراطية في فلسطين، وأن يعترف بالانقلاب السياسي من داخل صناديق الانتخابات، فالتهديد بقطع المعونات عن الشعب الفلسطيني والإملاءات الأمريكية علي «حماس» لن تغير من الواقع شيئاً، صحيح أن أعضاء «حماس» أنفسهم ليسوا مهيئين لإدارة الدفة السياسية بنفس مهارتهم في إدارة عمليات المقاومة، لكن «خالد مشعل» نفسه حتماً سيجد لغة أخري غير لهجة التشدد والتحدي، التي يرد بها علي المطالب الغربية، ويبدو أن بلورة الخطاب السياسي للمرحلة المقبلة مهمة غاية في الصعوبة، فعلي الحركة التي تستمد شرعيتها من الشارع أن تحافظ علي حرارة الشارع ونبضه، وهو ما يتعارض مع حكومة يراد منها استكمال مباحثات السلام، ومغازلة الغرب بما يسمي نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، وهي أمور «بعضها دعائي» لو فعلتها حماس لنسفت مصداقيتها في الشارع.
الموقف الفلسطيني - عكس ما يتصور البعض - يجسد مأزقاً حقيقياً لـ«حماس» وليس لـ«أبومازن» أو لرعاة عملية السلام، إن القدرة علي الجمع بين الشارع والسلطة لم تحدث إلا في ظل ثورات شاملة، لكننا بصدد «دولة» يختصرون وجودها في عبارة «سلطة الحكم الذاتي»، ومطار مغلق دائماً، وعلم لا يعترف به إلا العرب!!نحن نتحدث عن مشروع لدولتين متجاورتين، بينما النظام الدولي يفكك المنطقة العربية بأكملها لصالح إسرائيل، وبالتالي نعيش في مناخ تصلح فيه «حماس»، كقدوة روحية أو حركة مقاومة مسلحة، لكن أشكال السلطة وأساليب الحكم أمر مختلف تماماً، وهو الاختبار الصعب لحماس في المرحلة المقبلة، وعليها أن تواجه حصار القوي الخارجية وعوامل الانفجار الداخلية
.