لا حصانة لقاض في وطنه! .. نشرت بتاريخ 21 / 4 / 2006


هل شعرت يوما بأنك تتألم وحدك في العراء، قدماك مكبلة بقانون الطوارئ، والحكومة تتهددك في أمنك ورزقك، وجحيم الفوضي السياسية يحاصرك؟. تصرخ دون أن يسمعك أحد، تنادي "نواب الأمة" يردون عليك بلغة الإشارة فلا تفهم إن كانوا معك أم عليك؟ هل جربت إحساس "هلع" مواطن تبتلعه سمكة قرش في مياه البحر الأحمر، وحزن أمه أو أرملته حين تتابع أنباء هروب مالك العبارة "ممدوح إسماعيل" بحصانته وأرواح المصريين المعلقة في رقبته وعدة ملايين من دم الشعب؟.
هل ضاع لك حق في دهاليز "الفساد"، أو فقدت وظيفة أو ترقية بسبب "المحسوبية"، إن كنت تعرف تلك المشاعر جيدا فأنت تعرف -بالضرورة- قيمة "القضاء العادل". تعرف أيضا قدسية منصة القضاء والوشاح الأخضر و"القول الفصل" الذي ينطق به القاضي فينقذ بريئاً من قسوة السجن أو يقضي بالقصاص من قاتل.
"العدالة" ليست مجرد فكرة مجردة، بل هي أحد موازين الكون، وحين تجد القاضي يعمل علي خلفية: " العدل أساس الملك" تشعر -رغم المظالم- أن قضاة مصر هم الحصن الآمن وخط الدفاع الأخير عن المواطن والوطن.
أنا شخصيا كنت من أنصار عدم الخلط بين الرقابة القضائية علي الانتخابات وممارسة العمل السياسي بنقد تلك الانتخابات، ورغم أن الحديث عن إصلاح القضاء "تابو" يصعب اختراقه كنت أطالب بربط "استقلال القضاء"بإصلاحه. وعقب حرب التصريحات التي قادها بعض القضاة لكشف تزوير الانتخابات النيابية من خلال المنابر الإعلامية كتبت -في نفس المكان- أطالب القضاة بالعودة إلي ثكناتهم.لكنني فجأة شعرت بأن سمك القرش يبتلعني، وبأنني أذوب في ملوحة التعنت السياسي الذي تمارسه الدولة، أغرق في دوامة لا تنتهي من التصريحات عن إصلاح "مجهض" و"ديمقراطية" مشوهة لا تفي إلا بمصالح حفنة محدودة من النخبة الحاكمة!
تذكرت حقوقي المدنية التي تاهت بين أروقة المحاكم لبطء عملية التقاضي (وأسباب أخري محظور الحديث عنها)، وتذكرت القوانين المعيبة التي مازالت المحاكم تنفذ أحكامها، لكنني تأملت فكرة "الحرية" الأشمل من بعض الأضرار المحدودة، توقفت أمام وقفة القضاة المهيبة اعتراضا علي تأخر صدور قانون استقلال السلطة القضائية، فشعرت بأنني ربما أختلف مع بعض مطالبهم أو أميل قليلا للرأي القائل إن استقلالهم التام قد يجعل منهم دولة داخل الدولة وتساءلت: تري كم دولة لدينا الآن؟. تستطيع أن تقول -بضمير مرتاح - إن لدينا دولة الفساد ودولة الإخوان وأخيرا تأتي الدولة التي يرأس حكومتها الدكتور نظيف -وفقا للتريب تنازليا - إذن ما الذي يمنع أن يكون لدينا دولة شعارها:"تحقيق العدالة"؟
ما معني أن يحيل المستشار "محمود أبو الليل" وزير العدل المستشارين "هشام البسطويسي" و"محمود مكي" نائبي رئيس محكمة النقض إلي "جلسة صلاحية"؟. هل معني ذلك وأد عملية الحراك السياسي، أم أن المراد من ذلك التمويه علي نواب زوروا إرادة الأمة واغتصبوا حصانة تصلح للقراصنة أكثر مما تصلح لأعضاء مجلس الشعب؟. هل أسقط الدكتور "فتحي سرور" رئيس مجلس الشعب من ذاكرته نواب (البلطجة والتجنيد والمخدرات.. ونواب سميحة)؟، أم أن المجلس الموقر انتقل من خانة "سيد قراره" ليعمل بقانون: "أنا عنيد ومحدش يقدر يلوي دراعي أبداً"!!.
كنا نتحدث عن هيبة القضاء وقدسية أحكامه، ونطالب القضاة بالبعد عن اللعبة السياسية، لكنهم اختاروا - طواعية - الاشتغال بالسياسة لنيل حقوق يرونها عادلة، ولا داعي للمغالطة والزعم بأنهم يتحملون أوزار السياسة لأنهم - في الحقيقة - يدفعون الآن ثمن الدفاع عن الوطن وليس عن حقوقهم. هؤلاء كشفوا تزويرا يعمي العيون المتبجحة، تزويراً سجلته عدسات الفضائيات التي أذاعت فضيحة مصر السياسية علي الهواء، لكن تصريحات القضاة هي ما يزعج الحكومة، والسبب بسيط: "الدولة تريد قضاء مخترقاً"، فإذا أردناه عادلاً ونزيهاً، بدأت بوادر "مذبحة" جديدة للقضاة!

بطل الديمقراطية!! .. نشرت بتاريخ 14 / 4 / 2006


حين سقطت بغداد، انتشرت شائعة ظهور «المهدي المنتظر» بين الشعوب العربية، لتجسد حاجة تلك الشعوب إلي قائد ملهم تدعمه قوة إلهية تتجاوز عجزهم عن تغيير الواقع السياسي. وبشكل أو بآخر، تطورت وسائل الميديا العربية لتصمم في كل مرحلة تاريخية نموذجاً (علي مقاس أحلام الشعوب). قائد يتمتع بصفات المهدي المنتظر، وينفذ مشيئة السماء بـ«قرار تاريخي» تصفق له الجماهير دون نقاش أو مراجعة ودون «معارضة»!!
حين قرر الرئيس «السادات» السفر إلي تل أبيب وعقد اتفاقية «كامب ديفيد» كانت ملائكة حرب أكتوبر ترفرف حوله وهو ينفذ تعاليم الأديان الثلاثة ليصبح «بطل الحرب والسلام» !!. ساعتها وجد من يروج لأفكار قائد سياسي «سابق عصره»، حتي لو كان الثمن مقاطعة عربية حادة أو ضياع الحقين الفلسطيني والسوري إلي الآن.
هل عرفتم الآن قيمة الجلوس إلي طاولة المفاوضات؟، هل الدم الفلسطيني المهدر يدفعكم للندم علي الفرصة الذهبية التي أضعتموها حين رفضتم الانصياع لأفكار «السادات»؟إذا كانت الإجابة بنعم، فعليكم أن تستجيبوا لآراء «بطل الديمقراطية» الرئيس الليبي «معمر القذافي»، مع ملاحظة أن هذا اللقب من اختياره وهو من أعلنه أثناء مشاركته عبر الفيديو في ندوة «آفاق من أجل الديمقراطية» التي نظمتها جامعة كولومبيا بنيويورك. وربما كان عليكم أيضا اتباع نموذج الحكم «الجماهيري» الذي أرساه، خاصة بعد أن سقطت نظرية التعددية الحزبية واتضح أن الحكم يؤول غالبا إلي حزب السيد الرئيس.
وبنفس المنطق لابد أن نعيد النظر في عروبتنا السليبة ونفكر في التحول إلي تجمع أفريقي يشعرنا بالتفوق أو علي الأقل يعفينا من الهم العربي.
أنا شخصياً معجبة بتلك الصدمات السياسية التي يحدثها العقيد «معمر القذافي» بدءا من «الكتاب الأخضر» ومرورا بانسحابه من القمم العربية وصولاً إلي التحولات الانقلابية في موقفه من الغرب وخصوصًا أمريكا. لم يعد مكان القصف الأمريكي مزارًا لضيوف ليبيا الآن، كف «الزعيم» الليبي علي تقديمه دليلاً علي صموده في وجه القوي العظمي في العالم ( لاحظ أن ليبيا أيضا جماهيرية عظمي) وحل محل الثأر الليبي - الأمريكي حديث عن دفء في العلاقات بين البلدين، ومشاورات في البنتاجون لدراسة مساعدة ليبيا في تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية!!
لكن الإدارة الأمريكية مازالت حائرة في تحديد موقفها النهائي من النظام الليبي: فهي تصنف ليبيا كواحدة من حوالي ست دول علي قائمة الولايات المتحدة للدول التي تتهم برعاية الإرهاب، ورغم ذلك تناقش تقديم مساعدات تصل إلي ١٠٠ مليون دولار لتدمير المخزون الليبي من الأسلحة الكيماوية، حفاظاً علي أمنها القومي.
وبينما يرفع «بوش» بعض قيود الصادرات العسكرية لنفس الهدف يطلق العقيد القذافي تصريحات نارية يتحدي فيها الغرب بالسماح للرئيس الأمريكي بالطواف حول الكعبة! وفي إطار حملة لدعوة «اليهود والنصاري» للطواف بالكعبة لا يفوته استعداء الغرب بأكمله علي كل ما هو إسلامي، حين يقرر بشكل قاطع أن الإنجيل مزور وأن «موسي» لو كان موجودًا في عصر «عيسي» لأصبح مسيحياً!
الغريب هنا ليس في كلام العقيد القذافي ولكن في «التعجب» من حديثه، وكأننا لم نعتد منه تلك الصدمات الكهربائية. وبالمثل لا يجوز لنا تحليل التناقض الحاد بين سياسة ليبيا تجاه أمريكا وبين آراء رأس النظام الليبي. لأننا لم نرتق فكريا لفهم نظريات «قائد ملهم» هو قطعا «سابق عصره»، وهو أيضا مؤسس نظريات حديثة في قواعد الديمقراطية وتكتيك التعامل مع الدول العظمي وفنون تربية «العرب» وأساليب قيادة «الأفارقة».
نحن أمام شخصية تاريخية لن نفهم أبعادها إلا بعد عدة قرون. وبعيداً عن «الحالة الليبية» أتحدي إن كان بيننا من يفهم كيف تدار شئون الحكم في بلادنا، أو يعرف نقاط التوازن في علاقاتنا الخارجية.
قطعا العيب ليس في الحكام ولا في أساليب الحكم.. العيب فينا.

يا أنا.. يا الإخوان!! .. نشرت بتاريخ 7 / 4 / 2006


ما بين "التجميد" أو الانفجار من الداخل تعيش أحزاب المعارضة حالة انتحار منظم.. ربما بدأت عند تأجير حزب العمل للإخوان المسلمين، وربما بدأت قبل ذلك.
فتلك الأحزاب تحمل عوامل فنائها بداخلها، وتعاني نفس أمراض الحزب الحاكم: من حيث تأليه الفرد فيرفع كل رئيس حزب شعار: "أنا الحزب والحزب أنا".. أضف إلي ذلك الديكتاتورية ومركزية القرار في أحزاب هشة كرتونية، تفتقر إلي المصداقية والقاعدة الجماهيرية! أحزاب تعاني الشيخوخة، فمعظمها أحزاب عائلية مغلقة تحكمها دوائر سلطة مطلقة تحتكر أنشطتها،

وعلي رأسها زعامة تاريخية تحكم إرثاً سياسياً توقف نموه، أضف إلي ذلك "فقرا" لا يعانيه الحزب الوطني، وحصارا من قانون الطوارئ، وحظرا من الإعلام الرسمي. وبالتالي قد يبدو منطقيا للبعض دخول أحد أحزاب المعارضة في صفقات سياسية مع الحزب الوطني، أو الخضوع لمهانة قبول الدعم المادي لإصداراتها الصحفية.

قد يجد البعض تبريرًا لقبول أحد أقطاب المعارضة "الدكتور رفعت السعيد" "التعيين" في مجلس الشوري، أو أن يدير الحزب الوطني لعبة الكراسي السياسية مع أحزاب المعارضة في الانتخابات النيابية.وبالتالي كان من البديهي أن يفرز الشارع المصري حركات سياسية جديدة مثل "كفاية"، علها تعبر عن مطالب الشارع بعد أن فقدت الأحزاب "المرخصة" مصداقياتها وتواجدها بين الجماهير وتحولت إلي مقار كرتونية وجرائد متعثرة.
وما بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية دخلت أحزاب المعارضة "أوكازيون سياسي"، انتهي إلي عملية "تصفية" لأعتي الأحزاب الليبرالية "حزب الوفد" في عملية إرهاب سياسي غابت عنها الدولة وإن ألقت بظلال وجودها في تأخر قوات الأمن عن التدخل، وجرأة الخصوم علي بعضهم البعض بما يوحي بأن هناك "تطمينات ما" تلقاها كل طرف!
بعنترية شديدة يمكن أن نتبني المقولة التي يروج لها الوفديون وعلي رأسهم الدكتورة "إيمان جمعة"، لنقول إن الدكتور نعمان يدفع ثمن ترشيحه لانتخابات الرئاسة. لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، كشفها الدكتور نعمان بنفسه حين خرج من الانتخابات كأسد جريح ليطلق تصريحاته النارية ضد من (عملوا له عجين الفلاحة ليرشح نفسه) من قيادات الحزب الوطني ثم وجهوا له إهانة لا تغتفر بإسقاطه في بعض الدوائر التي يعتبرها "وفدية" بالفطرة!!
وفي تعنت واضح رفض الوفدي البارز الاستقالة من رئاسة الحزب عقب خسارته المخزية، وشن هجومًا ضاريا علي قيادات الوفد البخيلة ورشحها للعمل وزراء مالية عند "شارون"، رغم أنه صرف مبالغ طائلة علي حملته الانتخابية.
السؤال الصعب في تلك الصفقة التي تحول بعدها رئيس الوفد إلي "وجه محروق" سياسيا: هل كان حرقه المتعمد لحزب الوفد أحد فصول تلك الصفقة التي عقدها مع الحزب الحاكم، أم أنه خسر رهانه علي الحزب الحاكم حين قدم موقعه السياسي في تمثيلية الانتخابات الرئاسية دون ثمن يذكر؟
قطعًا.. كان الدكتور نعمان فاقداً لحنكته السياسية في كل المراحل حين صدق وعود الحزب الحاكم وحين لجأ للبلطجة السياسية. لم ينتبه أيضا إلي أن الحكومة أطلقت مارد "الإخوان المسلمين" في رسالة محددة إلي أمريكا مفادها أن الديمقراطية لن تأتي إلا بالفاشية الإسلامية. وحتي تكتسب تلك الرسالة مصداقية وتبدو شديدة الواقعية كان لابد من تعرية أحزاب المعارضة وكشف نقاط ضعفها وصراعاتها. وبذلك اكتمل المشهد السياسي للرأي العام الأمريكي: (أعلنها الحزب الحاكم بوضوح: "إما أنا وإما الإخوان المسلمين").
هذا ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية، وتوجهات الشارع المصري التي رأت في مشروع الدولة الدينية الخلاص من لعنة الفساد. حتي الشعب المصري الذي تلاعبت به قوي البلطجة والنوازع الدينية تم تسييسه في خطاب الحزب الحاكم لقوي الغرب الضاغطة من أجل الديمقراطية. والنخبة أيضا أصابها خوف هستيري من قدوم الإخوان إلي سدة الحكم، وبذلك سهل اصطياد بعضهم - أعني استقطابهم - لينضموا إلي خندق الدولة بكل سلبياتها!
الآن.. لم يتبق من أحزاب المعارضة إلا رموزا سياسية خلف القضبان (منهم د أيمن نور ود نعمان جمعة)، ومقار تشتعل بصراع القيادات. فالمعارضة بعض أحزابها ينتظر مصيره أمام لجنة شؤون الأحزاب، والبعض الآخر يجهز أوراقه لتحال إلي اللجنة! قد تكون الدولة قد لعبت دوراً خفياً في خلخلة تلك الأحزاب من الداخل، لكنها في كل الأحوال سقطت بفعل الانتهازية السياسية. لقد دفعت المعارضة فاتورة أمراضها السياسية، لكن الفاتورة الأكثر فداحة ستدفعها الدولة نتيجة تفريغ الشارع وإخلاء الخريطة السياسية للإخوان المسلمين. إذن سيعيش الحزب الحاكم علي أشلاء وطن.

تتبدل الأسماء.. والفساد واحد!! .. نشرت بتاريخ 24 / 3 / 2006


«الفساد» لا يعتمد فقط علي المناخ السياسي والظرف الاجتماعي لينفجر في وجوهنا مثل المارد، فهناك شروط أخري تمكنه من الاستمرار، هذه الشروط تتمثل في السلطة المطلقة وشلة السوء والاستعداد النفسي للسير علي جثث العباد، وبالتالي فالأسماء تتبدل.. والفساد واحد!
يسقط رجال وزارات الإعلام أو الزراعة أو الإسكان ليأتي خلفهم من يتقنون نفس الألاعيب ويطورونها، ليصبح كل عصر أسوأ مما سبقه، وتتحول وقائع الفساد إلي خيال يصعب تصديقه، سواء من حيث مركز الفاسد أو حجم ما نهبه من المال العام أو دور المرأة في لعبته الحقيرة أو تورط بعض المسؤولين معه، ليس هناك أطر نظرية لتحليل ظاهرة الفساد، لكن هناك فرقا شاسعاً بين آلاف «عصمت السادات» الذي هزت محاكمته الرأي العام المصري وبين ملايين «عبدالرحمن حافظ» التي مرت باعتبارها واقعة «عادية»!
هذا الفرق يوضح أن الأموال المنهوبة تقفز من خانة مئات الألوف لتصل إلي المليارات، وبالتالي لابد أن نسأل: هل ما زال لدي البنوك أموال تهرب للخارج؟ هل مازالت مصر لديها أراض تسرق وشركات قطاع عام تصفي في مزاد المحظوظين؟ هل مازالت هناك مراكز لأهل الثقة تمنحهم السيارات المجانية والفيلات بالبخس وقرارات وزنها ألماس؟ هل ما زالت هناك امتيازات توزع علي المحاسيب؟ أليس كل هذا مخصوماً من رصيد الوطن، مسروقاًَ من مستقبل الأجيال القادمة!!
هذا الكلام الباهت لا طعم له في بلد قايض الإحساس بالقيمة مقابل الإحساس بالثمن، وربما يقولون إن من يكتبه يعاني الحقد الطبقي، لأننا أصبحنا كمن يصرخ في الصحراء حين نطالب بحقوق الغلابة وبقطعة صغيرة من «التورتة» للشباب الذي يبحث عن وظيفة تنتشله من عالم الضياع، قبل أن يتحول إلي قنبلة موقوتة علي رغباته الإنسانية الضاغطة ولحظة ضعف أو تمرد.
لأول مرة أحاول فهم صناعة الفساد في مصر، وانتشاره السريع من طبقة لأخري، ومن فئة تستبيح خيرات البلد إلي فئة يفترض أنها مدافعة عن مصالح البلد، ربما لأن ما نسب للكاتب «إبراهيم نافع» رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقاً، هو نفس الموديل السائد في مؤسسات صحفية أخري، وهذا هو المجال الجغرافي لعملي وحياتي. وربما لأنني أعطيته صوتي أكثر من مرة ليصبح نقيباً للصحفيين.
فهل الجماعة الصحفية كانت مغيبة طيلة هذه الفترة؟ أم هل كانت الرشاوي الانتخابية المحدودة تعميها عن حقيقة «إبراهيم نافع»؟ أم أن مبني النقابة الفخم الذي تكفل بإتمامه ضلل الجميع، فحسبوا أنهم نالوا أقصي مكاسبهم المادية بالانتقال إلي مبني مكيف الهواء؟ تلك الافتراضات جميعها تضع الصحفيين وعلي رأسهم صحفيو الأهرام في خانة الاتهام مع «إبراهيم نافع»، لأنها تلغي قيمة الصحافة بمصالح رخيصة، وللحقيقة العيب ليس في الصحفيين الذين انتخبوه ولا في شلة المنتفعين من وجوده. ربما كان العيب في قوة «تعيين» رؤساء مجالس الإدارات التي تجعلهم أنصاف آلهة، وكهنة يحتكرون صكوك الغفران ويمنحونها بسخاء يضاعف من قوتهم،
استغلوا صدور قرار التعيين من مقر الرئاسة لإخراس جميع الألسنة حتي لحظة الخروج الدرامية لجيل من رؤساء التحرير التصق بمراكز الحكم حتي تحول إلي جزء منه. هؤلاء لم تشارك مجالس إدارات المؤسسات ـ ولو بالرأي ـ في اختيارهم، وبالتالي فقدت أي سلطة لمراقبتهم أو محاسبتهم، وللأسف نفس السيناريو قابل للتكرار مع الذين جاءوا من بعدهم ليغيروا «الشلل» ويطوروا أساليب العمل «ضع تحت كلمة العمل ما تشاء من مهام» والغريب أن بعضهم يتصدي الآن لرموز الحرس القديم ويصفي أعوانهم، ويعدد سلبياتهم دون أن يقول لنا أين كان طيلة سنوات عصرهم الذهبي؟قد يري البعض أن تفجير قضية إبراهيم نافع المراد منها إلهاء الصحفيين عن أباطرة الفساد المتغلغلين في دهاليز الحكم، وقد يقول البعض إن علي الجماعة الصحفية تنقية نفسها من شبهة الفساد لكننا للأسف نصفي حساباتنا مع «الماضي».علي كل، فات نقابة الصحفيين في جمعيتها العمومية أن تقر أساليب تضمن شفافية إدارة المؤسسات الصحفية، رغم أنها السبيل الوحيد لعدالة الأجور، وحصول النقابة علي مستحقاتها لدي تلك المؤسسات، فهل نطالب الدولة التي تناصبنا العداء بقوانين الحبس باختيار رؤساء مجالس الإدارات بالانتخاب بدلاً من التعيين أم نطالب الحكومة بتوفير طرق لمحاسبتهم حتي لا تتكرر ظاهرة «نافع» و«رجب»؟ أعتقد أن علينا ضم تلك الأحلام إلي ملف الأحلام المستحيلة وأولها إلغاء قانون حبس الصحفيين.

«آسفة أرفض الطلاق !» .. نشرت بتاريخ 17 / 3 / 2006


نفتح باب "الاجتهاد" أم نعود للنص القرآني ونحتكم إليه ، هذا هو السؤال الذي يحيرني كلما خرج علينا أحد رجال الدين بفتوي جديدة. الفتاوي الدينية تأتي غالبا "صادمة" تثير البلبلة بين الناس، وتتحول أحيانا إلي مشكلات اجتماعية تصعب السيطرة عليها، لذا أجدني مضطرة للوقوف أمامها.
الفتاوي الدينية الآن تنسف القاعدة التي كانت تؤكد أن اختلاف الفقهاء "رحمة" ، ومع الاعتراف بانتشار الأمية الدينية بين الشباب سنجد من يتحايل علي القانون بفتوي عابرة أو حديث "ضعيف" . لتتحول إدارة الشؤون الدنيوية بتلك الفتاوي المبتسرة إلي ملفات لا نهاية لها في المحاكم : "أطفال يبحثون عن هوية ضائعة بين بنود القانون ، ونساء يواجهن منظومة القيم الاجتماعية بحالة "تمرد" لن تحدث التغيير الاجتماعي الذي ننشده" . لذا وجب علينا التعامل مع تلك الفتاوي بحساسية وذكاء اجتماعي، علها تنضم إلي صف تجديد الفكر الديني بدلا من تحولها إلي ذريعة لغلق باب الاجتهاد.
أحدث الفتاوي التي أطلقها المفكر الإسلامي "جمال البنا" جاءت في حوار مع "العربية نت"، فجر خلاله مفاجأة خاصة بالزواج ، حيث قال إن مسألة "الشهود" توثيقية فقط، فيكفي رضا وتوافق الرجل والمرأة علي الزواج لتصبح علاقتهما صحيحة، بشرط وجود النية لاستمرار هذا الزواج وقبول نتائجه المتمثلة في الإنجاب والإقامة في بيت واحد . لكنه حرص علي استثناء العلاقات داخل المدارس والجامعات من هذا الحكم بقوله : "تبقي علاقاتهم التي يسمونها زواجا غير شرعية، لأنه ليس هناك بيت يجمع الزوجين والعلاقة بينهما تغلفها السرية، ولا ضمان لديمومتها، فالقلوب تتغير وقد يخطف قلب الرجل أو الفتاة طرف آخر".وهو تقريبا نفس الرأي الذي أطلقه الدكتور "محمد شحرور" تحت بند ما أسماه "نكاح ملك اليمين" !!.
الأمر المخيف في مثل هذه الفتوي أن الشباب لن يستمعوا لتحريم الوضع الذي يسمونه زواجا شرعيا، بل سينطلقون لإشباع غرائزهم الجنسية الضاغطة علي خلفية الجزء الأول من فتوي "البنا" مع ملاحظة أنه أكد بشكل قاطع أن الزواج هو " عقد رضائي من الدرجة الأولي، فلا شهود ولا مهر ولا ولي، وما حصل في الزواج من هذه الأمور عملية تنظيمية لجأ إليها الفقهاء لاحقا!!".صحيح أنه يؤكد أن الفقهاء رأوا في تلك الإجراءات وجاهتها لحفظ الحقوق من إثبات النسب والميراث وخلافه ، لكنه لا يعتبرها شروطا لصحة الزواج!
وللحقيقة، فإن هناك العديد من آراء "جمال البنا" تلقي صدي طيبا في وجداني لأنها تتفق مع ما نتمناه من تجديد للخطاب الديني، خاصة تأييده لإمامة المرأة للصلاة إذا كانت هي الأعلم بالقرآن، وأيضا آراؤه حول حجاب المرأة وعدم الفصل بين الجنسين الذي يعتبره "عملية وحشية". لكن فتواه حول الزواج في هذه المرة قد تحدث فوضي اجتماعية بين صفوف الشباب الذي يبحث عن غطاء ديني لسلوكياته دون أن يتمسك بباقي التعاليم الدينية التي تحفظ أي سلوك من الأهواء الشخصية . فكان لابد أن نسأل ـ حتي بالنسبة للناضجين من الرجال والنساء ـ هل يتمسكون بقيم الصدق والأمانة؟ هل هم أهل للثقة لتأتمنهم النساء علي حرماتهن فيتقون الله فيهن؟ . للأسف الإجابة التي لدي هي "لا" في أغلب الأحوال.
إن أكثر ما شدني لآراء "جمال البنا" هي الموضوعية التي يتعامل بها مع مصطلح "العلمانية" بإعتباره لا يكفر صاحبه بل يعني فصل الدين عن الدولة ، وربما أيضا رفضه الانضمام لجماعة "الإخوان المسلمين" رغم طلب مؤسسها شقيقه "حسن البنا"، وتحفظاته علي سياسة الجماعة خاصة فيما يتعلق بالمرأة.
لكنني وجدته يتخلي عن حذره تماما وهو يتعامل مع قضايا اجتماعية شائكة لم يتأهل المجتمع بعد للتعامل معها ، وأطلق فتواه حول الزواج دون شهود ولا صداق ولا ولي وكأنه لم يسمع عن ١٤ ألف حالة إثبات نسب تنظرها المحاكم المصرية وحدها. أو كأنه يتعمد إهدار نضال المرأة المصرية لتخرج وثيقة الزواج في صورتها الجديدة التي تحدد حقوق وواجبات الطرفين درءاً للمشكلات الاجتماعية . لكنه يعود ليطرح وجهة نظر ربما تسرق الأنظار ـ لوجاهتها ـ من صدمة الزواج دون قيد أو شرط إلا التراضي ، البنا يؤكد أن" طلاق الرجل لا يقع منفردا بدون موافقة زوجته" .. فطالما تم الزواج بصفة رضائية، فلذلك تقتضي صحة الطلاق رضا الاثنين واتفاقهما علي الانفصال.
أعلم أن بعض الفقهاء سيتسارعون للرد علي فتاوي "البنا" ، وأتمني عليهم أن يتوقفوا طويلا أمام فتوي الطلاق لأنها قد تعيد لمؤسسة الزواج احترامها وقدسيتها ، لكنها للأسف فتوي غير جاذبة للأضواء الإعلامية فلن يلتفت إليها أحد رغم أهميتها!

وما زال البحث مستمراً !.. نشرت بتاريخ 10 / 3 / 2006


مازلت أذكر تلك المبادرة التي أطلقها المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب تأسيسه، تلك المبادرة المجهضة كانت تسعي لإلغاء قانون الطوارئ. وساعتها أطل علي شاشة التليفزيون نقيب المحامين «سامح عاشور» ـ أحد أعضاء المجلس ـ يفسر إمكانية تعديل القانون ليصبح محدداً بمدة زمنية ومساحة جغرافية إذا دعت الضرورة، كما هو معمول به في عدة دول. وكالعادة كانت «الدولة» في مأزق، وسمعنا تصريحات لوزير الداخلية «حبيب العادلي» تؤكد مراجعة قانون الطوارئ، ثم سرعان ما تراجعت الدولة بكاملها عن الفكرة بعد أن امتصت غضب النخبة السياسية لفترة مؤقتة.
مرة أخري سمعنا عن إلغاء قانون الطوارئ و استبداله بقانون لمكافحة الإرهاب خلال حملة الانتخابات الرئاسية . كان برنامج السيد الرئيس واضحاً لا لبس فيه فيما يتعلق بالقوانين السالبة للحريات، وإلغاء الحبس الاحتياطي .. لكن يبدو أن بنود البرنامج الرئاسي قد دخلت دوامة بحث لا تنتهي يدور معها أيضا الوعد الرئاسي بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين !. وأخيراً توصلت أمانة السياسات بالحزب الوطني الديموقراطي إلي ملامح التشريعات المتعلقة بمشروعي قانون الحبس الاحتياطي وقانون مكافحة الإرهاب . وجاءت تصريحات الأمين العام المساعد للحزب "جمال مبارك" في صدر الصفحات اليومية، تبشرنا بمناقشة تلك القوانين خلال الدورة البرلمانية الحالية . لكن المؤكد أن الدورة الحالية للبرلمان لن تشهد مناقشة مشروع جديد لإسقاط عقوبة حبس الصحفيين . فطبقاً لتصريحات الدكتور «فتحي سرور» رئيس مجلس الشعب، فإن مشاريع القوانين التي سبق تقديمها لمجلس الشعب قد سقطت !، وعلينا أن نبدأ من الخطوة الأولي بتشكيل لجنة حكماء لوضع صيغة جديدة لمشروع القانون.
الغريب في عملية إصدار القوانين، أن هناك قوانين تمر مثل «السكين في الزبد»، تناقش بسلاسة وتحصل علي الموافقة بسرعة البرق، وتخرج لتقدم ـ غالباً ـ تسهيلات وإعفاءات لعلية القوم، وتجنبهم ضرائب واجبة مثل الإعفاء من الضرائب علي اليخوت وفيلات الساحل الشمالي والبحر الأحمر! . والأغرب أن الدولة تحدثنا ليل نهار عن عملية الإصلاح السياسي وتعديل الدستور، في مناخ سياسي «أعرج» يسير علي قدم واحدة هي الحزب الحاكم الذي تمكن من تفريغ الحياة السياسية وتفجير أحزاب المعارضة من الداخل !.هل من البلاهة ـ إذن ـ أن ننتظر؟، هل تصديق عملية «البحث» المزعومة شكل من أشكال السذاجة السياسية ؟.
أليست محاكمة «القضاة» الذين أعلنوا عن تزوير الانتخابات النيابية مؤشرا علي أسلوب الدولة في تطبيق ديمقراطية مشوهة وجهها الآخر ديكتاتورية مطلقة ؟.
أنا شخصيا لدي نية صادقة في تصديق الحكومة، لكن ممارساته تخذلني كل مرة، من ملف المعتقلين المتخم بانتهاك حقوق الإنسان إلي الحكم بحبس الزملاء «عبد الناصر الزهيري» و «أميرة ملش» . تصدمني عملية الترويج الإعلامي للإصلاح السياسي في وقت تتراجع فيه الحريات العامة، وكأنها عملية منظمة لضرب مصداقية الحكومة. وأتساءل دائما : «إذا كان الخطاب السياسي الذي يبدأ بتفعيل دور المجتمع المدني ليصل إلي تعديل الدستور، هو خطاب موجه للخارج، ألا يدرك أصحاب تلك الادعاءات أن القوي الخارجية أول من يرصد هذا التناقض الفج بين التصريحات والأفعال!».
إذا كان الرضا الأمريكي المرهون بالدور المصري في فلسطين والعراق يغري بمزيد من «الطغيان» فهذا الرضا لن يدوم . ولا يصح لأي حكومة أن تكتسب قوتها من «الخارج» أو أن يغازل الغرب بخطاب إصلاحي فقد محتواه وصلاحيته . الحسابات لابد أن تبدأ من متطلبات الشارع، وإذا كان «الشعب» خارج حسابات النظام، تصبح الحسبة كلها مغلوطة ولابد من مراجعتها بدقة . الدولة التي «تعيش» بقانون الطوارئ وتعمل بمنهج: الشعب يتلهي بالبطولات الكروية ويرتعد من أنفلونزا الطيور، ونحن نحكم بالحديد والنار ونخرس جميع الألسنة، هي دولة دخلت في طور «الاحتضار» . وتلك قضية محسومة ليست محل بحث.