أنا لا أتحدث بغموض ، لكنني كثيرًا ما سمعت عن «كتبة التقارير الأمنية» دون أن أصافح ملامحهم . سمعت -أيضًا- روايات- مبالغ فيها أحيانا- عن شخصيات مسنودة من جهات أمنية دون سند أو دليل.
كانت حجتي دائما لرفض منطق :(ده بتاع الأمن) أن الشخص الذي يتعامل مع «جهة ما» لا يباهي بتلك الصلة ، والمهام الوطنية لابد أن تتم بطريقة الكاتب «صالح مرسي» رحمه الله ، وأن يتحلي صاحبها بكاريزما «رأفت الهجان».
طبعًا تفكير رومانسي (ساذج) ، ربما كان نتيجة موضوعات «التعبير» التي كتبتها في سنوات الدراسة !. أو لثقتي بأننا جميعا «كتيبة وطنية» تضمنا «صورة» واحدة لشعب مصر (العامل والفلاح والمدرس والطالب .. إلخ) ، فهل خدعني صوت «عبد الحليم حافظ».. ربما؟ .
قطعا لا يمكن لشخص عاقل أن يرسم ملامح (الوطن - الحلم) كما يراه في الأشعار والمسلسلات الوطنية، وإلا أفاق -مثلي- علي كابوس مزعج عنوانه : «انحراف طالبة سياسيا» !!.
إنها «آلاء فرج مجاهد»، علها تشبهني في صباي ، تتابع نشرة الأخبار بشغف ، وتشارك -بقلة حيلة- في مقاطعة البضائع الدنماركية، وتحتج علي إبادة الشعب الفلسطيني بطرق بريئة في نفس ملامحها .
أو ربما كانت «آلاء» لا تعرف من السياسة سوي أن أمريكا مسؤولة عن تجويع الشعوب ، فلم تجد أمامها إلا بوش الابن لتتهمه بإعاقة أحلام الشباب في تعمير الصحراء.
لكن من قال أن من حق «آلاء» أن تفكر أصلا ، من حرضها علي النقد أو الإبداع ، كيف لطالبة في الصف الثانوي أن تندد بالرئيس الأمريكي؟! إنها «جرائم» تستحق عليها «حصة أمن» ، وبالتالي لم يتوان مدرس اللغة العربية عن التطوع بإبلاغ الجهات الأمنية لتأديب الطالبة بتهمة الاستعداد للانحراف السياسي !!.
تصرف سخيف ، وتفاصيله أكثر سخفا، فهل يجوز - معه- أن نتساءل عن دور المدرس: التربية أم التعليم؟، أم لابد أن نسأل هل هو «مخبر» أم «معلم».
وأن نستبدل الشعار من أجله ليصبح : كاد «المخبر» أن يكون رسولا؟.
لو كانت «آلاء» انتقدت الرئيس الأمريكي في بلاده لاعتبروها فتاة تدخل طور النمو السياسي أو مشروع نابغة تستثمر عقلها.
لكن في مصر- بلد العجائب- قرر المعلم مصادرة عقل جيل بأكمله، وممارسه «الإرهاب» علي طلاب حرموا من سياسيات تعليمية خلاقة، وحين خرجت واحدة منهم عن قطيع التلقين تم التحقيق معها لثلاث ساعات ،ثم عوقبت بالرسوب لهذا العام والحرمان من امتحان العام القادم تطبيقا لمواد قانون جائر (غالبا وضعه قراقوش)!.
رأفة وزير التربية والتعليم خففت العقوبة لتقتصر علي الرسوب في مادة اللغة العربية فقط . لم يراجع الوزير موقف رجال التعليم أو القانون الجائر الذي يطبق علي أولادنا ، لم يسمع صوت «آلاء» في صخب النحيب والعويل لطلاب الثانوية العامة ، أو ربما انشغل بمتابعة حالات الانتحار أثناء الامتحانات، تلك الظاهرة التي تنفرد بها مصر دون بلدان العالم .
وقبل أن نفيق جميعا من صدمة «آلاء» جاءت الكارثة الكبري: الدكتور عبد المنعم بسيوني رئيس جامعة المنيا اعترف بعدم قبول كلية الزراعة تعيين أحد الخريجين المتقدمين للتعيين بالكلية ،رغم تفوقه العلمي، لأنه -علي حد قوله- رآه بنفسه يشارك في مظاهرة !!.
كم وددت أن تفي الكلمات بتأثير (لطم الخدود) لأنها الرد الوحيد الذي أملكه علي رئيس الجامعة !. حتي أستاذ الجامعة يتجاوز كل اللوائح والقوانين ليصدر حكمه الفردي (الأمني طبعا) علي طالب نابغة ويطرده من حرم الجامعة إلي أرصفة البطالة.
إنها كارثة بكل المقاييس، فبعد أن كنا نعاني من وجود عناصر تبث الأفكار المتطرفة بين الطلبة أصبحنا نعاني من تطرف أساتذة يخبؤون «مخبراً» بين ضلوعهم.
وقبل نشر مقالي علمت أن محافظ الدقهلية الدكتور سعيد صوان قد اعتمد بنفسه شهادة نجاح «آلاء» في اللغة العربية ، وهو قرار سياسي حكيم ، قد يرضي الرأي العام لكنه لن يمحو الجرح الغائر في نفس «آلاء».
وبصفتي «مصرية» أدعو المذيعة المتميزة مني الشاذلي لتبني قضية خريج جامعة المنيا ، وأطالب نقابة المحامين ،ومنظمات حقوق الإنسان لتبني تلك القضية، ربما يسترد هذا الشاب حقه في بلد «مسكون» بأشباح المباحث (ربنا يجعل كلامي خفيفاً عليهم )!.

