| أحاول منذ عدة أشهر استيعاب ما يحدث في بلدي، أردد سراً: نعم إنها مصر بلد الأمن والأمان، وليست دولة الترويع والتعذيب!. أبحث عن مبرر واحد لسادية بعض رجال الشرطة، وألجأ إلي مخبأ الإنكار هرباً من الصور المشينة التي تلاحقني عبر الإيميل والصحف والقنوات الفضائية. لكنني لم أفلح لا في تصديق أنه مازال البلد الذي أعرفه، ولا في قبول «القبح» الذي يلوث صورته. مصر الآن هي جمهورية الخوف، بكل مفردات الخوف من الجلد إلي الطلقات المطاطية وخراطيم المياه، وصولاً إلي أبشع آليات بث الذُعر في نفوس المواطنين: الاغتصاب بعصا غليظة!. هل تحولت قوات الأمن إلي «قوات احتلال»؟، تكرر مأساة سجن «أبو غريب» بحجة حماية الدولة، وتنشر الأمراض النفسية لبعض المنتمين لجهاز الشرطة عبر الموبايل والسيديهات. إن تلفيق القضايا وتوسيع دائرة الاشتباه والتهديد بتهمة «مقاومة السلطات» لم يقض علي الجريمة، ولم يفلح في تطبيع العلاقة بين الشرطة والشعب، بل زادها سوءاً. بل إن ثقافة الخوف التي دأبت أجهزة الشرطة علي تفخيخ ربوع الوطن بها تحولت إلي ألغام تنفجر في وجوههم هم. تذكروا التحرش بالنساء في المظاهرات، وانتهاك كرامة المواطن «أمجد مختار حسين» في معتقل الزعفرانة. تذكروا براءة المتهم في مجزرة «بني مزار» لتكتشفوا معي أن اغتصاب «عماد الكبير» في قسم الشرطة هو دليل فشل قانون الخوف الذي يحكمنا. «عماد» في حقيقة الأمر ليس كبيراً بمفهوم هذا الزمن الرديء، فهو من عائلة بسيطة، يكد ويعمل في حي شعبي، لكنه يملك «نخوة» أصبحت صفة مندثرة، نخوة دفعته للدفاع عن ابن عمه في مواجهة أمين شرطة، فكان الجزاء ضربة بالـ«طبنجة الميري» نتج عنها جرح قطعي في فروة الرأس!! لكن القلوب التي خاصمتها الرحمة لم تر في الجرح عقوبة رادعة، خاصة أن عماد فريسة سهلة يمكن تحويله إلي «عبرة» يحكمون بها حي بولاق الدكرور. كان من الممكن أن تنجح خطة قوات التعذيب داخل جهاز الشرطة لولا المغالاة في التباهي بالجريمة، ونشر الكليب المشين بين المواطنين، وإذلال عماد وأسرته بما فعله به رجال يعانون الاضطراب العقلي والشذوذ الجنسي. عصابة التعديب استمرأت لعبتها، وعادت لتكرار اللذة المرضية مع شقيق عماد، وحين اقتادوا شقيقه إلي قسم الشرطة نزف عماد من جديد. اعترف عماد لجريدة «الفجر» أنه الرجل المغتصب في الكليب، وروي تفاصيل تعذيبه، ثم وقع بين شقي الترهيب والترغيب، ووقع صفقة رديئة مع الضابط «ابن الذوات»، لكنه أخيراً وجد الملاذ الآمن في تحقيقات النيابة. مازالت القضية مفتوحة، ومازالت «الفضيحة» مدوية لأنها تمس سمعة جهاز الشرطة بأكمله، هذا الجهاز الذي خرج عماد علي شاشة الأوربت ليعلن أن أهم إنجازاته إجبار رجل علي أن يقول: «أنا مرة»! الألفاظ التي تفوّه بها عماد علي شاشة الأوربت لم تكن جارحة لمشاعر المواطنين بقدر ما كانت موجعة للضمائر، تلك الضمائر التي تتجنب دخول قسم الشرطة سواء للإدلاء بشهادة حق أو للبحث عن حق ضائع. لم يعد هناك مجال للحديث عن جرائم حقوق الإنسان التي لا تسقط بالتقادم، ولا للحديث عن تجاوزات بعض رجال الشرطة، لسبب بسيط لأن الخوف يسكن بداخلنا جميعاً. فكلنا في نظر رجال الشرطة متهمون إلي أن يثبت العكس! وقرارات الاعتقال جاهزة، والقضايا الملفقة «محبوكة» لمن يقف في صف الحقيقة لينصف مظلوماً، أو يمارس حقه كمواطن. الشرطة لم تعد في خدمة الشعب، الشرطة لا تري في وجوه المواطنين إلا الإجرام والإرهاب والبلطجة. الشرطة توقع علينا عقوبة جماعية لفشلها في تحقيق الأمن الاجتماعي والحد من الجريمة والعنف. حتي في أمن الدولة لا توجد بوصلة صحيحة لمعرفة نصير الدولة من عدوها. وبالتالي من السهل أن تخرج من بين صفوفها فرق للشغب بدلاً من فرق مكافحة الشغب. إنها فرق إرهاب السلطة المطلقة. |
جمهورية الخوف!! _ نشرت بتاريخ 22 / 12 / 2006
السياسة قبل العبادة أحيانا!!- نشرت بتاريخ 8 / 12 / 2006
| «اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان»، تلك الجملة التي انطلقت من أعلي أحد المنابر العربية كانت كفيلة بإثارة مشاعر المصلين. لم تكن سني - آنذاك - تسمح بفهم تلك الصيحة التي ألهبت عيون الجميع بدموع غزيرة. أعترف أنني بكيت معهم، فالمشهد كما بدا لي كان عملية إبادة جماعية للمسلمين. لم أدرك ساعتها أن مراكز العبادة تتحول تدريجياً إلي مؤسسات سياسية، وأن العائدين من أفغانستان قنبلة موجهة للحكومات العربية التي تم تكفيرها! وفي بداية التسعينات تقريباً قدر لي الدخول إلي مؤسسة دينية متكاملة، وفي مسجد «المواساة» بالإسكندرية التقيت الشيخ «ياسين رشدي»، وطاف بي علي مركز الترجمة الذي يراسل معظم دول العالم، ويهديهم ترجمات للقرآن الكريم، ثم ذهبت إلي لجنة الزكاة فرأيت مقومات «دولة» حقيقية تعول الأسر الفقيرة وتوفر العلاج لغير القادرين بل وتوفر لمن تحتاج حالته العلاج بالخارج!! سألت الشيخ «ياسين»: من أين لك بتلك الأموال؟ أجابني بإجابة غريبة: «أنا أموالي في جيوب الناس.. حين أبدأ حملة تبرعات تهب الإسكندرية بأكملها لإنجازها». إذن الرجل تحول إلي «كاريزما» تحرك الجماهير بخطبته الأسبوعية، وينجز ما تعجز عنه الدولة. وكان «ياسين رشدي» يتجنب الأضواء، خشية أن تحرقه. لكن السؤال الذي ظل يلاحقني: ماذا لو خرج هذا الداعية علي جمهور المصلين صبيحة الانتخابات، وأشار لهم علي مرشح بعينه؟، ألن تكون الإسكندرية «طيعة» لصاحب تلك المؤسسة! انتهت ظاهرة الشيخ «ياسين رشدي» بحادث مروع، قالوا - ساعتها - إن «مختلاً عقلياً» طعنه طعنات نافذة بأداة حادة، اختفت أخباره، وردد البعض وجود مؤامرة من الأمن (كما جرت العادة) لتحجيمه. لم يكن «ياسين رشدي» يعمل بالسياسة بمعناها المباشر، لكنه خلق دولة بديلة للدولة القائمة، وأتصور أن التعليم والكساء والعلاج هي في حقيقتها أدوار سياسية تسيطر علي الشارع بقبضة دينية قوية. الآن تذكرت الحادث الذي أغلق ملف «ياسين رشدي» بختم «طعنة من مختل عقليا»، تذكرت المتهم - البريء في أحداث بني مزار، وكل مختل يغلق الملفات الأمنية. لكن الأهم من ذلك هو سبب ظهور الخلل العقلي في أماكن العبادة، وتهديد أحد المصلين لإمام المسجد بـ«مطواة». هل السبب هو بعد المساجد عن هموم الناس وانشغال الأئمة بقضايا سياسية أو «تحريضية»؟، أم أن المسجد لم يعد يوفر للناس السكينة؟! المتهم بمحاولة الاعتداء علي إمام مسجد الإمام الحسين كان يطلب من الشيخ «السعيد محمد» التحدث عن هموم الناس، كان يشكو له حالة والدته المريضة، أتصور أنه كان ينشد بعض الطمأنينة من رجل الدين، كان يبحث عن روح ضائعة في آية قرآنية تعزيه وتهدئ من روعه. لكنه بكل أسف أخذ تأشيرة اللجوء إلي الجنون، ربما يرتاح ضميره تجاه أمه المريضة (فليس علي المريض حرج)! كل ما فعلته وزارة الأوقاف تجاه تلك الحادثة هو المطالبة بتعزيز التواجد الأمني في المساجد. لم يتوقف وزير الأوقاف أمام مستوي الدعاة (هذا ليس طعنا في كفاءة أحد)، لم يراجع دور المسجد. لم ير أحد في المتهم «محمد عبدالقادر» سوي صورة المختل عقلياً، دون أن نسأل: هل فقد توازنه النفسي والإمام يتحدث عن فريضة الحج التي وصلت تكلفتها إلي سبعين ألف جنيه (للأغنياء فقط)؟ أم استفزه مجمتع يضاعف من إحساسه بالعجز حيال والدته المريضة؟ كنت أتمني أن أجد منصفاً واحداً من أصحاب المليارات (التي تعرف قلوبهم الرحمة أحياناً) أن يكفر عن قسوة المجتمع، ويبادر لعلاج والدة «المختل»، لكن الخلل ظاهرة عامة تشمل كل المعايير السياسية والاجتماعية والإنسانية. لتدخل قوات الأمن إلي المساجد حماية للأئمة، لكن من يحمينا من بعض الآراء المتطرفة، وحملات الترهيب التي تطلقها المنابر، والمظاهرات التي ترفع المصاحف وتزحف للشارع بعد الصلاة؟ |
صناعة الجوع !! ... نشرت بتاريخ 1 / 12 / 2006
| أحيانا أضطر لتصديق الحكومة، أشعر بأنها لم تعد تملك إلا حكمة العجائز أو يأس الأرامل، وأنها تهيئنا لاستقبال الكوارث بعجز كامل. أنا لا أثق في التصريحات الوردية، لا تخدرني وعود الرخاء التي تطلقها الحكومة من مباخر أشبه بمباخر الدجالين والمشعوذين . لكنني أتوقف فقط عندما تكون التصريحات من عينة «مرض أنفلونزا الطيور توطن في مصر»، ساعتها أدرك أن وزير الصحة الدكتور «حاتم الجبلي» يخلع المسؤولية من رقبته ليعلقها في رقابنا جميعا. فالحكومة لا تعرف الشفافية إلا في «التخلي» عن التزاماتها.
«الحمي القلاعية» آخر ما يشغلهم، فهم أبعد ما يكون عن محل الجزارة المدجج بيافطات تتجاوز الستين جنيها!. الشعب أقلع من زمن عن التعامل مع البروتين الحيواني، فلا أنفلونزا الطيور تزعجهم، ولا استيراد اللحوم والأسماك المجمدة يحفزهم للوقوف في طوابير الانتظار. ولمن لا يعلم مازالت في مصر أسر تحسب قيمة الوجبة الغذائية بالقرش قبل الجنيه!.
|
ابحثوا عن معايير الجودة في أجهزة الغسيل الكلوي الملوثة بفيروس الإيدز، وأمصال الأطفال منتهية الصلاحية. ابحثوا عن قانون مكافحة الاحتكار قبل أن تفتشوا عن «السوس» في طبق الفول، وانتظروا المنتج الحكومي الأخير من «صناعة الموت»!!.
الحزب الوطني- الإسلامى!! نشرت تاريخ 24 / 11 / 2006
| تخيلت للحظة -أو بالأحري تمنيت- أن تكون هناك صفقة بين الحزب الوطني ونواب جماعة الإخوان المحظورة، صفقة سياسية تقدم بموجبها الدولة وزير ثقافتها قرباناً لثمن أكبر من فهمنا السياسي المحدود !. لست ممن يقبلون «الموت المجاني» أو «الغباء السياسي»، عادة أطمح لأداء رفيع في معارك الوطن، وأتوقع استخدام كل الأسلحة (حتي الصفقات الخفية ) لصالح البلد، لكنني بكل أسف أجدني دائما في مقاعد المتفرجين أندب حظ مصر، أو ألطم أحيانا (بالمناسبة اللطم حرام!)، وأنا أري أصحاب القرار يقدمون البلد مجاناً لقوي الظلام، ويسلمون مستقبل مصر للإخوان المسلمين، وهم يرفعون هتافات الدولة الدينية، ويتطلعون لثواب الجماعة علي روح بلد كان محروساً واختطف منا في «غفلة»!. بلد كان محروساً بعقيدة راسخة لم تهدم الحضارة الفرعونية بحجة محاربة «الوثنية»، بلد ظل محروساً بمفكريه ومبدعيه ومجددي الفكر الديني فيه. بلد احتضن الأزهر وقاوم الإرهاب الديني، ورفض التعصب، وناضل ليبقي رغم الفساد والفقر والقهر. لكنه سقط في لحظة أمام تحالف (الوطني - إخوان). المشهد الذي وصفه الوزير «فاروق حسني» بأنه «سيريالي» فجأة تحول إلي مشهد عبثي تحت قبة البرلمان، حين قررت رموز الدولة الاختباء في خندق الإخوان ورفع المصاحف علي أسنة السيوف للمزايدة عليهم، وهم يعلمون تماما أنه خندق ملغم بفتاوي التكفير، والحجر علي الدولة الكافرة (من وجهة نظر الجماعة)، خندق ملطخ بتاريخ دموي للإخوان، ومدجج بدعاوي حسبة ضد المبدعين. دخلت الدولة إلي مشرحة الإخوان بإرادتها، وتحولت إلي «جثة» تحرض الجميع علي العبث بأعضائها!. وجاءت كلمات السادة النواب محرضة أكثر منها ملطفة لمشاعر الجماهير التي تختصر الدين كله في غطاء الرأس. كان غريباً أن نتابع مباهاة بعض السادة الأعضاء بحجاب زوجاتهم، وصراخ وعويل الآخرين لنصرة الدين الإسلامي التي لن تكتمل إلا بإقالة «فاروق حسني» !. العجيب أن هؤلاء جميعا اجتمعوا علي تسطيح القضية وحصرها في خانة «الحجاب فرض» ليدفعوا بوزير الثقافة إلي مأزق «التكفير». وبدا الأمر وكأن هناك «جلسة استتابة» ستعقد للوزير السبت القادم لإعلان توبته أو الحكم بإراقة دمه. وبذلك اكتملت فصول «المهزلة» التي بدأها نواب الإخوان وأتمها نواب الحزب الحاكم. عادت بنا المزايدة السياسية إلي عصور التخلف التي حذر منها «فاروق حسني» في تصريحاته التي فجرت الموقف، وبدأت موجة إرهاب فكري تتربص بكل من يتجرأ علي الدفاع عن حرية الرأي، وحاول البعض تصوير الدفاع عن الوزير بأنه طعن في الدين الإسلامي أو اجتراء علي الثابت منه. وبكل أسف اختفي كثير ممن يدعون الليبرالية ويتزعمون حركة التنوير - اختفوا خلف ستار «الصمت القاتل» !. قد يعتقد البعض أنني - وبعض المثقفين- ندافع عن وزير الثقافة، لكننا في الحقيقة ندافع عن هذا البلد وبالتالي عن أنفسنا، نتصدي لحملة شرسة ذات أهداف سياسية معلنة هي «الدولة الدينية»، ونواجه محاولات توظيف الدين في المؤامرات السياسية، واستخدام «الحجاب» كوسيلة لنيل الأصوات في انتخابات اتحادات الطلبة، والنقابات المهنية. صحيح أن نواب الأغلبية خذلونا في معركة تسييس الدين، وأن الإخوان نجحوا في جر بعض رموز الدولة للعب علي أرضية دينية، وصحيح أيضا أن الإخوان كسبوا الجولة الأولي بنجاح جعل منهم الأغلبية الفاعلة في المجلس الموقر. وتلك الخسائر المؤقتة قد تسحب البساط من تحت أقدام الحزب الوطني، لكنها لن تجرنا إلي كهوف الإخوان. فخط الدفاع الأخير عن مصر هو دائماً في عقول مفكريها ومثقفيها، هؤلاء علي وعي كامل بعملية اختراق الإخوان للمجتمع من خلال الحلقة الأضعف، وأعني هنا «المرأة»، علي وعي بمخطط الدولة الموازية التي يحكمها الإخوان ويمولونها بالعيادات الصحية، والمدارس الإسلامية،والسيطرة علي مؤسسات المجتمع المدني. لكن الدولة الشرعية لا تسعي لتحرير تلك الأماكن من قبضة الإخوان. الدولة مصرة علي التعامل مع جماعة الإخوان «المحظورة» باعتبارها «ملف أمن دولة»، هم يكسبون كل يوم أرضاً جديدة والدولة تتراجع في مواجهتهم. حتي لم يعد هناك مفر من انضمام نواب الحزب الحاكم إلي الجماعة المحظورة في معركة «الوزير والحجاب». قطعا لا توجد صفقة رابحة لصالح الدولة من هذا التحالف، وربما كانت هناك محاولة لتأسيس كيان سياسي جديد قد يصبح اسمه «الحزب الوطني - الإسلامي»، وساعتها ستولد جماعة موازية تحكم الشارع باسم (جماعة الديمقراطية المحظورة)!!. |
زمن «الجنرِالات» !! .. نشرت بتاريخ 17 / 11 / 2006
| انتهي عصر المعجزات، ذهبت الكرامات مع إناس كانوا «صالحين» لزمن الكرامات. لم يتبق - إذن- إلا بعض «التهويمات» أو في أفضل الأحوال بعض الأمنيات!. أمنيات ولدت من رحم اليأس، مبتسرة، واهنة، لكنها رغم تشوهاتها قادرة علي انتشالنا لبعض الوقت من واقعنا الكئيب. قادرة علي بث شحنة حماس في أوصالنا المجمدة علي طرق مجهولة. إنها مجرد أمنيات أو بالأدق «أوهام» لكن لديها قوة دفع لأرواح استكانت علي مرفأ العجز. الأمنيات تحولت إلي «معجزة» تصنع لنا «حياة وهمية» تستردنا من حالة «الموت الإكلينيكي»!. ليست المرة الأولي التي تصبح فيها «صناعة الوهم» أقصي إنجازاتنا، وأخر مبتغانا. «الوهم» أنقي وأجمل من «الأمل»، الوهم قالب يضم حلولاً لأحلام مستحيلة، سلاح ينصف المظلوم، وينشر العدل، سلاح يواجه كل شياطين الشر المرئية والغيبية، ويقتلها في لحظة إيمان صادق بأنه يتجسد في «شخص» أو «نور» أو فكرة!. نظرية الوهم تطلقنا من خندق الانكسار، وتذكروا حين سقطت «بغداد»، كانت نبوءة ظهور «المهدي المنتظر» تحتل شاشات الفضائيات ومنتديات الإنترنت وأحاديث الصالونات، وحتي أحلام الصبايا. كنا نبحث عن «فارس» له قدرة خارقة مدعومة من السماء ليخلصنا من عار احتلال العراق، فارس يتسم بصفات «النبوة» بدلاً من سيئات البشر. كانت الكارثة - آنذاك- أكبر من قدرتنا العقلية، لم نستعبها ولم نجد لها حلولاً دنيوية فلجأنا إلي الغيبيات، وفي عالم الغيبيات هناك دائماً «المخلص» الذي نبحث عنه وننتظره. لم يظهر «المهدي المنتظر» ليحرر العراق، لكننا أيضا لم نتحرر من أسر «القائد الملهم» الذي يسير الجيوش العربية خلفه، ويعمل تحت مظلة إلهية تبارك خطواته وتكللها بالـ «النصر»، فأسقطنا كل أفكارنا المسبقة وأحلامنا الدفينة علي كاريزما السيد «حسن نصر الله»، قبلنا أن تدمر لبنان نظير عدة صواريخ تكسر كبرياء العسكرية الإسرائيلية، وتضرب العمق الإسرائيلي . اعتبرنا «الجهاد» جسر الأمل الممدود الذي يصلنا بالسماء، نرويه بدماء الشهداء، ونرفع أعمدته بصيحة «الله أكبر»، لكننا لم ننل - من موقعنا هذا - شرف الشهادة، ولا فرحة بنصر كامل، لم نصل بعد إلي السماء. في كل عصور الانهيار، والأزمات الشديدة، كانت عيوننا تصبو دائما للسماء، تنتظر «بشارة»، وعقب كل «نكسة» كنا نجري إلي الكنيسة انتظاراً لظهور «العذراء»، وكأننا دائما نتوقع أن «الملائكة» التي ظللت جنود حرب أكتوبر «إذا صحت الواقعة» لابد أن ينوبون عنا في حروبنا ضد الاحتلال أو الفساد أو الاستبداد!!. وكلما اشتدت ظلمة الواقع، وتحولت الحياة إلي قبر يطبق علي صدورنا شيئاً فشيئاً ازداد شوقنا لبشارة السماء. هل رحلة البحث عن «المخلص» تفسر ظاهرة مسجد الحامدية الشاذلية، وإجماع المصلين علي وجود الرسول الكريم «عليه الصلاة والسلام» يؤم المصلين في ليلة القدر؟ لا أدري. عودة إلي الشيخ «جابر الدسوقي» إمام المسجد، سنجده نفي في آخر تصريحاته أنه رأي الرسول مجسداً ويصلي بالمصلين إماماً، وأضاف أنه أيضا لم يقل إنه رآه في المنام !!. الأمر كله بحسب كلام الشيخ «جابر الدسوقي» مجرد إحساس وشعور روحاني من شدة الخشوع. إذن كيف خرجت القصة بهذا الحجم، وتم تضخيمها، وتصويرها كمعجزة ؟ لماذا أجمع المصلون علي أن الصلاة في الركعة الثانية في حضور «نوره» استغرقت وحدها ٧٥ دقيقة؟ الرد وفقا لرأي علم النفس أن ماحدث «استحضار ذهني»، وقطعا هذا يلبي احتياجاً نفسياً وروحياً لأمة مهانة، أمة عجزت عن حماية رسولها من كاريكاتير ساخر!. أمة تهان كل يوم بالمجازر الجماعية، ومطاردة «أصحاب اللحي» بإسم الإرهاب، أمة عاجزة رأي بعض منها أن تجسيد الرسول الكريم في ليلة القدر أشبه بإسراء جديد «طبقا لروايتهم شعروا أنهم انتقلوا للمسجد الحرام»، وهو إسراء قد يتطور إلي جيش يحرر القدس السليب!!. بالأمس كانت الناس تبحث عن زعيم سياسي يقود حركات التحرر، أو مفكر يحدث ثورة علي الثابت والمألوف، أما الآن فقد كفرت الناس بالنظريات السياسية والفكرية، إنهم ينتظرون زعيماً روحياً فيه نقاء الأنبياء، ولديه القدرة علي إحداث المعجزات. إنهم يترجمون أحلامهم بمجرد «دعاء»، يترجمون حالة «انهيار جماعي» تحتاج لـ «معجزة حقيقية»، لكننا لسنا في زمن المعجزات، بل في زمن «الجنرالات»!!. |

