| انتهي عصر المعجزات، ذهبت الكرامات مع إناس كانوا «صالحين» لزمن الكرامات. لم يتبق - إذن- إلا بعض «التهويمات» أو في أفضل الأحوال بعض الأمنيات!. أمنيات ولدت من رحم اليأس، مبتسرة، واهنة، لكنها رغم تشوهاتها قادرة علي انتشالنا لبعض الوقت من واقعنا الكئيب. قادرة علي بث شحنة حماس في أوصالنا المجمدة علي طرق مجهولة. إنها مجرد أمنيات أو بالأدق «أوهام» لكن لديها قوة دفع لأرواح استكانت علي مرفأ العجز. الأمنيات تحولت إلي «معجزة» تصنع لنا «حياة وهمية» تستردنا من حالة «الموت الإكلينيكي»!. ليست المرة الأولي التي تصبح فيها «صناعة الوهم» أقصي إنجازاتنا، وأخر مبتغانا. «الوهم» أنقي وأجمل من «الأمل»، الوهم قالب يضم حلولاً لأحلام مستحيلة، سلاح ينصف المظلوم، وينشر العدل، سلاح يواجه كل شياطين الشر المرئية والغيبية، ويقتلها في لحظة إيمان صادق بأنه يتجسد في «شخص» أو «نور» أو فكرة!. نظرية الوهم تطلقنا من خندق الانكسار، وتذكروا حين سقطت «بغداد»، كانت نبوءة ظهور «المهدي المنتظر» تحتل شاشات الفضائيات ومنتديات الإنترنت وأحاديث الصالونات، وحتي أحلام الصبايا. كنا نبحث عن «فارس» له قدرة خارقة مدعومة من السماء ليخلصنا من عار احتلال العراق، فارس يتسم بصفات «النبوة» بدلاً من سيئات البشر. كانت الكارثة - آنذاك- أكبر من قدرتنا العقلية، لم نستعبها ولم نجد لها حلولاً دنيوية فلجأنا إلي الغيبيات، وفي عالم الغيبيات هناك دائماً «المخلص» الذي نبحث عنه وننتظره. لم يظهر «المهدي المنتظر» ليحرر العراق، لكننا أيضا لم نتحرر من أسر «القائد الملهم» الذي يسير الجيوش العربية خلفه، ويعمل تحت مظلة إلهية تبارك خطواته وتكللها بالـ «النصر»، فأسقطنا كل أفكارنا المسبقة وأحلامنا الدفينة علي كاريزما السيد «حسن نصر الله»، قبلنا أن تدمر لبنان نظير عدة صواريخ تكسر كبرياء العسكرية الإسرائيلية، وتضرب العمق الإسرائيلي . اعتبرنا «الجهاد» جسر الأمل الممدود الذي يصلنا بالسماء، نرويه بدماء الشهداء، ونرفع أعمدته بصيحة «الله أكبر»، لكننا لم ننل - من موقعنا هذا - شرف الشهادة، ولا فرحة بنصر كامل، لم نصل بعد إلي السماء. في كل عصور الانهيار، والأزمات الشديدة، كانت عيوننا تصبو دائما للسماء، تنتظر «بشارة»، وعقب كل «نكسة» كنا نجري إلي الكنيسة انتظاراً لظهور «العذراء»، وكأننا دائما نتوقع أن «الملائكة» التي ظللت جنود حرب أكتوبر «إذا صحت الواقعة» لابد أن ينوبون عنا في حروبنا ضد الاحتلال أو الفساد أو الاستبداد!!. وكلما اشتدت ظلمة الواقع، وتحولت الحياة إلي قبر يطبق علي صدورنا شيئاً فشيئاً ازداد شوقنا لبشارة السماء. هل رحلة البحث عن «المخلص» تفسر ظاهرة مسجد الحامدية الشاذلية، وإجماع المصلين علي وجود الرسول الكريم «عليه الصلاة والسلام» يؤم المصلين في ليلة القدر؟ لا أدري. عودة إلي الشيخ «جابر الدسوقي» إمام المسجد، سنجده نفي في آخر تصريحاته أنه رأي الرسول مجسداً ويصلي بالمصلين إماماً، وأضاف أنه أيضا لم يقل إنه رآه في المنام !!. الأمر كله بحسب كلام الشيخ «جابر الدسوقي» مجرد إحساس وشعور روحاني من شدة الخشوع. إذن كيف خرجت القصة بهذا الحجم، وتم تضخيمها، وتصويرها كمعجزة ؟ لماذا أجمع المصلون علي أن الصلاة في الركعة الثانية في حضور «نوره» استغرقت وحدها ٧٥ دقيقة؟ الرد وفقا لرأي علم النفس أن ماحدث «استحضار ذهني»، وقطعا هذا يلبي احتياجاً نفسياً وروحياً لأمة مهانة، أمة عجزت عن حماية رسولها من كاريكاتير ساخر!. أمة تهان كل يوم بالمجازر الجماعية، ومطاردة «أصحاب اللحي» بإسم الإرهاب، أمة عاجزة رأي بعض منها أن تجسيد الرسول الكريم في ليلة القدر أشبه بإسراء جديد «طبقا لروايتهم شعروا أنهم انتقلوا للمسجد الحرام»، وهو إسراء قد يتطور إلي جيش يحرر القدس السليب!!. بالأمس كانت الناس تبحث عن زعيم سياسي يقود حركات التحرر، أو مفكر يحدث ثورة علي الثابت والمألوف، أما الآن فقد كفرت الناس بالنظريات السياسية والفكرية، إنهم ينتظرون زعيماً روحياً فيه نقاء الأنبياء، ولديه القدرة علي إحداث المعجزات. إنهم يترجمون أحلامهم بمجرد «دعاء»، يترجمون حالة «انهيار جماعي» تحتاج لـ «معجزة حقيقية»، لكننا لسنا في زمن المعجزات، بل في زمن «الجنرالات»!!. |
عزا في الغابة
قبل 6 أعوام


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق