| أحياناً يكون «الخرس» قراراً إرادياً!، قرار يجنبك ألم الأشواك العالقة بأحبالك الصوتية، يعفيك من التكرار الممل لعبارات مخزية تخدر ضميرك قبل أن تواسي الثكالي والأرامل والأيتام. «الخرس» هو اللغة الوحيدة التي ربما يفهمها «الشهداء» في حالتنا هذه!. تري كم مرة استخدمنا وصف «المجزرة»؟. ما بين «قانا» و«بيت حانون»، لكننا لم نختبر وحشية تلك المجازر ونحن نردد الوصف علي سبيل الإدانة لا أكثر. لم يخترق الرصاص أجسادنا، لم ينهش الدمار أمن صغارنا، لم تفرقنا الصرخات، ولم تجمعنا «زغرودة» تشيع الشهداء، نحن نجلس في مواقع المتفرجين! نشاهد المجازر علي شاشة الفضائيات ونحن نحتسي قهوة مرة، ونتدفأ بذكريات أمر عن تلك الأمة المهانة المسماة -مجازا- بالعرب!. لا نتردد في مد أناملنا لنغلق جفون الأطفال حتي لا نجرح مشاعرهم بدماء «أطفال» مثلهم تماما تحولوا إلي «أشلاء» في أحضان ذويهم! لم تعد لدينا أسلحة سياسية أو عسكرية لوقف آلة القتل الإسرائيلية، إن كل ما نملكه في مواجهتها «ريموت كنترول» ينقلنا إلي الانتخابات الأمريكية واستقالة «رامسفيلد»!! أصبحنا أجبن من (الوجع)، أضعف من (الغضب)، عاجزين نقنع بإدانة عابرة تخرج من جامعة الدول العربية، أو تنطلق بنبرة أسي علي لسان زعيم عربي. أصبحنا «واقعيين» لدرجة مخجلة، فكلنا نعلم أن المظلة الأمريكية تبرر إبادة الشعب العربي، طالما بقيت مزاعم «الأمن الإسرائيلي» مهددة من لبنان أو من حجارة أطفال غزة. كلنا نعلم أن أي حاكم عربي يعجز عن تطبيق العدل في حكمه لا يصح له أن يطالب بعدالة الموازين الدولية. كلنا مدانون، ملوثون بدماء الأشقاء، أقصي ما نفعله أننا نخفي وجوهنا خلف كفوفنا لنتقي لطمات الإدارة الأمريكية، ونتلاشي في ذات الوقت النظر إلي المشهد الدموي المرسوم بجثثنا وأطلال مدننا. نحن شركاء في رسم حدود تلك الخريطة القبيحة، في القلب منها «حذاء إسرائيلي» يدهس الكرامة العربية علي عتبات «القدس»، وعند بوابتها الشرقية «ضريح» لعاصمة سقطت تحت أقدام الغزاة، وسقطت معها «حضارة» كانت تسجل عزة العرب وتباهي العالم بالفروسية والشعر، لكن «بغداد» تحولت في الخريطة الجديدة إلي جدران سجن كبير يخفي خلفه مشاهد الاغتصاب والتعذيب. نحن من يزرع في كل زاوية شهيداً ويدفن معه ما تبقي من أساطير العروبة السخيفة. كلنا مذنبون، ليس بيننا برئ واحد من الدم الفلسطيني المستباح!. ليس بيننا حتي من يملك (مرافعة حنجوري) تبدأ بكلمة «السلام» وتنتهي بمطالبة الأطراف بـ«ضبط النفس». ما حدث في «بيت حانون» لابد أن يحيي الضمائر من «سلام الموت» الذي نحترفه، أن يهز العروش الجاثمة علي صدور الشعب العربي، أن يحرك أي «مواطن» يرفض المشاركة في جرائم المجتمع الدولي الذي يدعي حقوق الإنسان. فهل يتحرك أحد؟، لا أعتقد، ربما خرجت -وحدي- عن حالة الخرس في لحظة ألم، أحاول التخلص من الإحساس بالذنب بصرخة، مجرد «صرخة» لن توقف «غيوم الخريف»، ولن تعطل مشروع الدولة الإسرائيلية من النيل إلي الفرات. «صرخة» لن تحرر عاصمة عربية محتلة، ولن تفكك القواعد العسكرية الأجنبية الرابضة في أراضينا، الصراخ والعويل لم يعد حكراً علي النساء، إنه المرحلة الطبيعية للشعب العربي بعد مرحلة «الشجب والإدانة». كم من رجل بكي «رجولته» علي أرض العراق، وكم من رجل أدار صراع «السلطة» علي جثثنا فلم يجلب لنا سوي العار. رجال العرب أفرجوا عن دموعهم بعد طول اعتقال، فهل دمع الشعوب يطهر الحكام من خطاياهم؟ هل يسمع أحد نشيد النحيب الجماعي، وأنين الجرحي في «بيت حانون»؟. لا أظن، فحالة الشلل العربي أحكمت حلقات عزل «حكومة حماس»، كما أحكمت من قبل حصار عرفات. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق