| المحامي «طلعت السادات» ليس ضحية وليس شهيدا للحقيقة التي يبحث عنها وأعني بها: «من الذي قتل السادات؟». إنه في تقديري الشخصي سياسي بارع احترف مغازلة مشاعر الجماهير، والعزف علي أوتار الأزمات المكبوتة والغضب المكتوم، لكنه لم يصل إلي درجة من الاحتراف تمكنه من الفوز بالضربة القاضية. كل الصدمات الإعلامية التي أحدثها طلعت السادات لم تتجاوز «تهويش الخصوم»، ربما لأنه كان يستند إلي نبض الشارع ولا يعتمد علي وثائق تكشف ما يدعيه من فساد وتسقط «الكبار» الذين يصارعهم. في حملته تحت قبة البرلمان لم يثبت طلعت السادات تهمة احتكار صناعة الحديد علي رجل الأعمال أحمد عز. وفي معركته «الكلامية» ضد نجل عمه جمال السادات توقف الأمر عند التشكيك في مصدر ثروته، ولم يقدم لنا مستندات تؤكد أن أموال جمال السادات المستثمرة في شبكة المحمول الجديدة أو في شركة BMW جاءت من مصادر غير مشروعة. لكنه رغم كل ذلك كان يكتسب أرضية جماهيرية في كل يوم، وترتفع شعبيته مع ارتفاع السخط الاجتماعي علي تكدس الثروات في أياد معدودة، وتزداد كذلك بازدياد السخط السياسي من احتكار السلطة وتعنتها. وحين جاءت الفرصة لاستثمار تلك الشعبية الواسعة مع تبرئة المتهم في حادث «بني مزار»، كان طلعت السادات قد وصل إلي ذروة التصعيد في حملته ضد عائلة الرئيس الراحل أنور السادات، وكذلك كان قد استنفد معظم أدوات استعداء الرأي العام علي ما يري أنه فساد سياسي. لكن الفرصة جاءته علي طبق من فضة بواقعة الاعتداء عليه في صعيد مصر عقب نظر قضية «بني مزار»، لتضيف إلي بريقه خصومة مع وزارة الداخلية، وهي خصومة تستقطب -عادة- الشارع المصري. إلي هنا كان طلعت السادات مازال النجم الأول علي الساحة السياسية والإعلامية، أيضا كان هناك شبه تحالف إعلامي معه يستغل أحيانا جرأته الشديدة وشجاعته المطلقة لينوب عن البعض في التعبير عن «غل ما» تعجز الألسنة عن النطق به، أو ليمنح البعض الآخر سبقا إعلاميا أشبه بـ«الكباريه السياسي» الذي يمزج السخرية بالنقد اللاذع ، ويقدم «بطلا» من طراز خاص يجمع بين خفة الظل والوعي والذاكرة الثرية. لكن المشهد الوحيد الذي لم يتحسب له النائب طلعت السادات هو «الخروج عن النص» ، والتمادي في ارتجال الاتهامات التي توقع أعتي المحامين تحت طائلة القانون!. ورغم أنه صاحب النص الأصلي الذي تلاه في قري مصر وفضائياتها، علي خلفية من مشهد مهيب لأسدين يتربع بينهما في حملته الانتخابية، فإنه في هذه المرة خانه ذكاؤه الشديد، وأطلق أعيرته الطائشة بشكل عشوائي!. إذن ما كنا نعتبره «سياسة مصاطب» تحول إلي «سياسة مصائب»، وهو تعبير يتضمن سياسة صنع المصائب أو مصيبة العمل السياسي، وبالتالي يطرح معه تساؤلات عديدة: من مصلحة من إعادة فتح ملف فساد عصمت السادات؟، وهل الرد علي ذلك يتم بتوريط مصر في تحقيق دولي لا داع له؟، أو بالتشهير بأسرة أنور السادات وبتلطيخ تاريخ مصر؟. لا أعتقد أن هذه هي النتيجة التي سعي إليها المحامي المخضرم من مرافعته عن واقعة اغتيال السادات. ولا أتصور أنه يفضل أن يتحول من بطل شعبي إلي شهيد لحرية «الكلام»!!. لا أظن طلعت السادات توقع تلك النهاية السيئة لوجوده الإعلامي المكثف، بل أعتقد أنه ظل يصعد نجمه حتي سقطت كل الأقمار الصناعية فوق رأسه!. البعض يروج لوجود مؤامرة للإيقاع به وتوريطه للزج به في السجن، والبعض الآخر يتصور أنه (الآن فقط) تجاوز الخطوط الحمراء. لكنني أتصور أنه لم ير خطوط المنع مطلقا، فهو لم يستثن اسما واحدا من إدعاءاته من قبل. المتغير الوحيد في (الحوار- الأزمة) لطلعت السادات أنه تحول مما يمكن اعتباره -تجاوزا- «نقدا سياسيا» إلي ما يصنف قانونا تهمة إهانة هيئة سيادية. العبرة الوحيدة التي نأخذها من مأزق طلعت السادات هي أن تجاهل الحكومة المستمر لاتهامات حقيقية تم طرحها تحت قبة المجلس قد انتهي بنا إلي خلط الاتهام الحقيقي بالمزيف . لا أحد يستطيع أن يصادر علي المستقبل ليقول إن المستقبل السياسي لـ«طلعت السادات» قد انتهي، لكن عليه أن يعود للساحة بمستندات موثقة. الشعبية لا تكتمل إلا بالمصداقية ، وحين كسب طلعت السادات معركته القضائية في قضية بني مزار توافرت له المصداقية، وعليه أن يبحث عنها دائما حتي في دفاعه عن نفسه في المحاكمة الأخيرة. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق