أرشيف المدونة الإلكترونية

علي بابا» حرامي !! - المقال نشر بتاريخ 14 / 7 / 2006

في عالم الكبار لدينا حسابات وتوازنات و«قوانين» تحكمنا وتكبل خطواتنا، لدينا أوضاع مقلوبة تتطلب أحيانا أن نقف علي رؤوسنا أو نسير علي الحبال للتكيف معها!.

أما في عالم الصغار فلا يوجد إلا الصدق والتلقائية، وحق النقد مكفول بحكم «براءة» السن رغم تعنت الكبار وغلظتهم في تلقين الأطفال دروس «الأدب» والتربية .

لم أجد صورة دقيقة تكشف واقعنا المضطرب أدق من فيلم «محاكمة علي بابا» للكاتب الساخر «أحمد رجب»، فهو يضعنا أمام التناقض الذي ألفناه واعتدنا عليه ونريد توريثه للأجيال القادمة .

«الطفل» هو البطل الحقيقي لواقعنا «أو لنقل للفيلم»، لأن ملامحه واضحه وسلوكياته مباشرة، فهو يعارض معلمته بشدة ويقول لها إن علي بابا «حرامي» وليس بطلا شعبيا -كما يصوره التراث الشعبي - لأنه كان يسرق مغارة اللصوص، إذن فهو حرامي مثلهم تماما .

لم يجد الطفل فيه حتي نموذج «روبين هود» الذي يسرق الفقراء لصالح الأغنياء، وبالتالي كان نصيبه «الطرد» من «جنة الأطفال» أي المدرسة .

أحكام الأطفال لا تحتاج إلي ذكاء خارق بقدر ما تحتاج إلي فطرة سوية، فهو يواجه مدرسته بأن «المتنبي» كان منافقا لأنه كان يمدح الحاكم «سيف الدولة» حين يرضي عنه «عوامل الرضا عديدة»، وحين يغضب منه يمتدح الإخشيدي .

كيف تتصرف مدرسة محكومة بمناهج تعليمية مع هذا الطفل اللعين إنه يحتاج للضرب «أو للجلد كعقوبة مستحدثة»، ويحتاج أولياء أمره لمحاضرة في التربية والأخلاق، ربما لأن «اللوائح» لا تمكنها من حرمانه من الامتحان !!.

احتارت الأم بين اقتناعها الكامل بآراء الطفل وبين استحالة وجوده بين صفوف التلاميذ بتلك الأفكار، لكنها لم تلجأ للكذب لتثنيه عن أفكاره، و قررت أن يكون أكثر اعتمادا علي نفسه وطلبت منه ارتداء الزي المدرسي «المريلة» دون مساعدة .

سألها الطفل بعفوية كيف أرتديها بمفردي إذا كانت الأزرار من الخلف؟، وكأنه يجسد موقف «الصحفي» المطالب بتقديم مستندات تؤكد صحة ما نشره، رغم أن المستندات -غالبا- تحت يد الشخص المطعون في ذمته !.

لم يراجع أي منا موقفه من «علي بابا»، ربما لأنه اكتسب حصانة «البطل الشعبي» وأصبح مستحيلا نفيه من كتب التراث، تري كم «حرامي» مثل «علي بابا» لا نجسر علي مواجهته الآن؟!.

الآن لا يستطيع أحدنا الطعن في أداء «المتنبي» أو أي شخصية عامة -مثله- تجيد النفاق،لأننا لا نملك ألفا واحدة من تلك الآلاف التي نص عليها تعديل قانون العقوبات. ولأننا لا نملك دفع الغرامة فحتما سيقودنا «النقد» إلي العمل يوميا في أقسام الشرطة «يسمونها خدمة أو مصاريف»، وبالتالي فكل الطرق تؤدي إلي الحبس .

وسيأتي يوم تصبح فيه أقسام الشرطة هي المكان الطبيعي للصحفيين، طالما أننا نعيش في زمن لا صوت فيه يعلو فوق شعار :«طظ»، إما علي طريقة «مهدي عاكف» الذي عمم الشعار علي المصريين أو بطريقة النائب المحترم الذي اختص به الصحفيين .

زمن يتحاور فيه نواب الشعب أحيانا بالأحذية وأحيانا بالتهديد بالمطواة «الأخيرة طالب باستخدامها ضد الصحفيين النائب عمر طاهر» . إنه زمن غريب يطالب فيه أحد النواب بإقامة حد رمي المحصنات علي الصحفيين، ثم يعود ليصفق -بنفس الحماس- لقرار الرئيس مبارك بإلغاء الحبس في مادة الذمة المالية !.

ليس غريبا -إذن- أن يحصن القانون الرؤساء والملوك «العرب قبل الأجانب» من النقد، في الوقت الذي تتعرض فيه مصر وشعبها ورئيسها لأبشع الحملات المنظمة لتحجيم دورها الدولي والإقليمي.

وليس غريبا - أيضا- أن تتخاذل مؤسسات الدولة عن دورها ليصبح التدخل الشخصي لرئيس الجمهورية هو الحصانة الوحيدة للمواطن .

نحن محاصرون بعدة قوانين لتكميم الأفواه، لم تنتصر الحرية باستبدال الحبس الوجوبي بالحبس الجوازي، ولا باستبدال الحبس بالغرامة، المكسب الحقيقي أن الشعب تابع أداء النواب الذين اختارهم «إن كان قد اختارهم»، وأن الشعب تفاعل مع الصحافة الحرة أو بالأدق المستقلة .

المكسب الحقيقي هو تكاتف الصحفيين وتضامنهم علي اختلاف توجهاتهم وانتمائهم الحزبي، واختيار الوسائل الديمقراطية للتعبير عن قضيتهم مثل الاحتجاب .

أما القوانين السالبة للحريات فلن تمنعنا من أن نقول : «علي بابا» حرامي ..

سنرددها إلي أن يحاكم «علي بابا» ٢٠٠٦، ليعلم أن الوطن ليس مغارة لصوص! .

و كلنا نعلم من هو علي بابا، أنا وأنتم والجهات الرقابية.. والتشريعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق