أرشيف المدونة الإلكترونية

ثورة "التائبات .. العائدات" !! - المقال نشر بتاريخ ٢٩/ ٩/ ٢٠٠٦

نحن شعوب بلا ذاكرة، لكنني رغم أعراض «الزهايمر» المبكرة مازلت أذكر التصريحات النارية لكل فنانة اعتزلت الفن وهي تعلن توبتها وتتبرأ من ماضيها.

أذكر علي سبيل المثال غلاف مجلة الكواكب الذي حمل طعناً في أعراض كل الفنانات علي لسان «العائدة» عفاف شعيب، ساعتها قالت: إن الفن لا يدر تلك الثروات، فمن أين جاءت ثروات الفنانات إلا من سلوكيات مشينة!.

أذكر أيضا أن سهير البابلي ـ في أول لقاء لها مع الدكتورة «هالة سرحان» ـ حمدت الله علي توبتها التي سبقت موتها علي خشبة المسرح كما تمنت دائما، وتنصلت من تاريخها الفني ووصفته بأنه «أيام الجاهلية»!!.

كان هناك إجماع بين من اعتزلن علي مصطلح «التوبة»، واستشارات عديدة لمشايخ الإسلام عن «المال» الذي جاء من العمل الفني، هل هو حلال أم حرام؟، وكيف يتم استغلاله؟ ثم توالت أخبار الراقصات اللاتي تحولن إلي «داعيات للإسلام»، وأجورهن الباهظة نظير محاضرات دينية تزدهر عادة في رمضان وموسم الحج.

كانت بعض الصحف ـ آنذاك ـ تتلقف «الرؤي» التي سبقت قرار الاعتزال باعتبارها «معجزة من السماء»، والبعض يؤلف الكتب عن حجاب الفنانات باعتبارها «سبوبة»، وصحف أخري تحارب فكرة تحريم الفن وتتندر علي تلك الروايات الخيالية. ومع استمرار حملة حجاب الفنانات وارتباطها بتكثيف الأضواء علي نجوم جدد للدعوة الإسلامية، تعامل المجتمع بتسامح شديد حتي مع نموذج «التردد الحاد» في ارتداء الحجاب ثم خلعه.

وتدريجياً نجح فصيل من كتيبة المعتزلات في التسلل إلي القنوات الفضائية، إما لنيل مكسب سريع بلقاء «مدفوع الأجر» أو لتقديم برامج تفرض رؤاهن وأفكارهن علي المشاهد العربي.

ورغم أن حجابهن كان مؤسساً علي فكرة تحريم الفن (وهي جزء من تكفير المجتمع)، لم نبادر لنسأل إحداهن: «لماذا عادت إلي الشاشة؟». من قالت إنها «صاحبة رسالة» لم نناقشها في القبلات الساخنة ولا المايوهات البكيني في أفلامها التي مازالت تعرض لها علي الفضائيات. لم نبد أي غضاضة من تقمص إحداهن دور «المصلحة الإجتماعية».

ارتضينا بموقع «الدفاع عن النفس» في مواجهتهن، وكأن البعض اعتبر مناقشة فنانة «معتزلة أو عائدة» دخولاً في منطقة ملغمة، تضع الحجاب في مواجهة العري علي الشاشة، أو تعتبره ستاراً علي ماض مرسوم علي إيقاع بدلة رقص عارية!.

ربما ظلت هناك استثناءات تفرض احترامها، أو أننا نحترم الحرية الشخصية بقدر ما يصادرونها. المهم أن هناك نماذج أفلتت من حلبة التجارة بارتداء الحجاب وخلعه، منها علي سبيل المثال «شمس البارودي» وأخريات. وهناك نماذج أخري لم تتاجر بحجابها، واستكملت مشوارها الفني دون أن تعلن «التوبة» عن أمور غير فنية قطعاً!. أبرز هذه النماذج «حنان ترك» التي استأنفت تصوير دورها في مسلسل «أولاد الشوارع»، ولم تعتزل الفن عقب حجابها.

الآن دخلت كتيبة العائدات مرحلة جديدة، لم تتكشف أسرارها بعد، لكنها مرحلة بدأت بتقاضي ملايين الجنيهات نظير بطولة المسلسل الواحد، ومارست بعضهن رقابة خاصة علي السيناريو، وحذفت أخري المشاهد التي تسيء الي «وقار حجابهن» علي حد زعمهن. وقبل أن تنتهي نوبة اجتياح التليفزيون المصري والفضائيات اشتعلت ثورة «العائدات» لعدم عرض مسلسلاتهن علي القنوات الأرضية!!.

ومرة ثانية فتحت «سهير البابلي» النار علي الجميع كعادتها، وكما بالغت في استثمار اعتزالها ها هي تعتبر عدم عرض مسلسلها «مؤامرة علي الإسلام»، وتشن هجوماً ضارياً علي المسلسلات الأخري التي لا تعرض ـ من وجهة نظرها ـ إلا (اللي قالعة.. واللي راجل نايم فوقها)، وهذه تعبيرات سخيفة لا تستحق الرد عليها.

ما يستحق أن نناقشه فعلاً: لماذا عادت «سهير البابلي» إلي الشاشة؟، وما الذي تحتاجه «سهير رمزي» من النجومية بعد تاريخها الفني وغيابها الطويل؟.

المؤامرة ليست علي الإسلام، بل علي الإعلام. وكان يجب أن يوقف التعامل نهائياً مع كل من أساءت للفن أو حرمته وتابت عنه.

حق الحجاب مكفول للجميع لأنه علاقة مع الله أولاً، وحرية شخصية ثانياً، أما حق العودة إلي الشاشة فهو مشروط بموقف الفنان من مهنته واحترامه لها.

ثم إن الملايين التي تنفق علي العجائز اللاتي نسين أصول التمثيل وفقدن أدواتهن الفنية أولي بها الوجوه الجديدة الواعدة، وبالمناسبة التليفزيون المصري هو الذي قدم «ليلي علوي» بالحجاب في مسلسل «العائلة»، وهو من قدم «موديل» محجبة في كليب لـ «محمود العسيلي».

أما المؤامرة فهي إما في عودة المعتزلات، أو في رؤوسهن فقط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق