أرشيف المدونة الإلكترونية

الأوصياء علي الدستور!! _ المقال نشر بتاريخ ١٥/ ٩/ ٢٠٠٦

إنه «الدستور» مرة ثانية، نقطة الالتقاء الوحيدة بين مختلف تيارات المعارضة، فلا يكاد يخلو منتدي سياسي الآن من الحديث عن تغيير الدستور، وكأن الجثث المتهالكة من معارك الانتخابات النيابية قد دبت فيها الروح مرة ثانية، ونهضت تنشر برامجها لتعديل مواد الدستور!


لكن السؤال الأهم من تعديل الدستور هو عن مدي أهمية الدستور في حد ذاته، فإذا كانت الدولة تتقن تفصيل قوانين مطعون في دستوريتها، وتعطل قوانين لتفعل قانون «البلطجة» أحياناً، فهل نسألها اليوم عن صلاحيات رئيس الجمهورية؟


ألم يكن الرئيس السادات «رحمه الله» رئيساً للجمهورية حين أطلق مدة الحكم وجعلها أبدية لا تنتهي إلا بقرار إلهي، وساعتها وجد من يهلل لتغيير الدستور ومبايعة «الرئيس المؤمن»!


إذن العيب ليس في الدستور وحده، العيب في رجال يتلاعبون بكل أوراق الحياة السياسية لتغذية مؤسسة الفساد، تلك المؤسسة التي تحترف تحصيل العمولات من المعاهدات الدولية وصولاً لمحل «الحانوتي».


فساد الحياة السياسية لم يترك مجالاً لأي محاولة إصلاح سياسي، ولنتذكر سوياً كيف كان تعديل المادة «٧٦» من الدستور عنواناً ضخماً لعملية التغيير، ثم ولدت المادة مشوهة تجعل المنافسة علي كرسي الحكم مستحيلة، بل وجعلتها حكراً علي رجال الحزب الوطني.


لست متفائلة بتغيير الدستور، طالما أن الرجل المناط به تنفيذ القانون هو أول من يخالفه، والشخص المنتظر منه أن يكون يد الشعب في مساءلة الحكومة قد وصل إلي المجلس الموقر بالتزوير، وطالما ظلت دائرة المصالح الشخصية تحكم الغرف التي يتم فيها تعديل الدستور فلا تنتظرون إلا الأسوأ.


صحيح أن هناك ورقة عمل طرحها الرئيس مبارك في برنامجه الانتخابي، لتصبح بوصلة تعديل الدستور، لكن للأسف ما يصدر من مؤسسة الرئاسة يمر بمراحل الخصم والإضافة ليصل إلي محطة التنفيذ مناقضاً لنقطة النيات الحسنة التي انطلق منها!


راجعوا تدخل رئيس الجمهورية لإلغاء مادة «الذمة المالية» في جرائم النشر، لتكتشفوا أن هناك من يفسد توجيهات الرئيس، وكأنها محاولة إحداث وقيعة متعمدة، أو لنقل تخريباً لحالة التفاهم المفترضة بين القوي السياسية ورأس النظام.


الرئيس وعد بوضع ضوابط علي صلاحيات رئيس الجمهورية، وتوسيع دور مجلس الوزراء، وتحقيق التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وتبني نظام انتخابي يعزز الممارسة الديمقراطية.
لكن بكل أسف، هناك من يختصر الوطن في شخص، أو عدة أشخاص، ويعتبر إنقاص صلاحيتهم هو فشل ذريع لحاشية السلطة!


لا أحسب أن الرئيس «مبارك» حريص علي أن تتجمع في يده ٣٥ سلطة من إجمالي ٥٥ مادة في الدستور، ولا يوجد أي دستور في العالم يثقل كاهل رئيس الدولة بكل تلك المناصب والصلاحيات إلا دستور «١٩٧١» الملقب مجازاً بالدستور سيئ السمعة؟


حين يقرر الرئيس مبارك تحقيق استقلال القضاء ـ في برنامجه الانتخابي ـ فهو يفتح مظلة العدالة ليحمي الشعب، وحين يحدثنا عن قانون لمكافحة الإرهاب بدلاً من «قانون الطوارئ» فهو يرفع القهر عن المواطنين، لكن هناك من يصر علي أن تظل الدولة ظالمة ويبقي الشعب مقهوراً.


إن حلقة الثقة التي تربط المواطن بمختلف مؤسسات الدولة حلقة مكسورة، وإذا تابعت أي تصريح لفقهاء الدستور لن تجد نبرة تفاؤل، وكأننا لم نعد نأتمن أحداً علي واقع ومستقبل البلد.


نحن علي وشك استقبال دستور الثلثين، ذلك الدستور الذي انفرد الحزب الوطني بتعديله، لأنه يضم ثلثي أعضاء مجلس الشعب، فإذا حذفنا من الثلثين من جاء بالتزوير ومن انضم من المستقلين، سنجده دستوراً يعبر عن «مجلس الوصاية» ولا يرقي لرغبة الرئاسة أو مطالب الشعب.

ولعل أهم سلطة يجب أن يباشرها الرئيس «مبارك» الآن هي متابعة عملية تعديل الدستور، ودمج القوي السياسية وهيئات المجتمع الدولي في الاستفتاء علي مواده، رقابة السيد الرئيس علي عملية التعديل ليست مجرد ضمان لتحقيق وعوده فحسب، بل لأن التاريخ سيسجل لفترة حكمه «أو عليه» ما سيأتي به الأوصياء علي الدستور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق