| الترمومتر الحقيقي لقياس درجة حرارة أجواء القمم العربية ليس سخونة القضايا المطروحة، ولا مقدار التراشق بالألفاظ أو تبادل الاتهامات. إن شئت أن تحدد أهمية لقاء العرب لا تبحث عن آراء المحللين، بل فتش عن موقف ليبيا من أي قمة عربية لتشخص بدقة حال العروبة. أنا لا أدعي فهم كل ما يطرحه الرئيس الليبي «معمر القذافي»، لكنني أشعر أنه يحترف كشف مواطن الضعف العربي، وأحيانا أشعر أنه ـ مثلنا جميعا ـ يعرف جيداً ما يجب رفضه، لكنه لا يقدم لنا البديل!. إنه نموذج لأولئك الحكام الذين جاءوا باسم «الثورة»، وحكموا البلاد تحت شعار: «التحرر الوطني»، وبالتقادم أصبح وجودهم عبئاً علي البلاد. صحيح أن قائد «الجماهيرية العظمي» وضع نظريات مختلفة للحكم «ليست محل تقييم الآن»، لكنه وجد نفسه أمام نسبة فقر تقدر بحوالي خمس الشعب الليبي!. ولم يجد مفراً من دعوة أثرياء ليبيا إلي «التوبة»، ورد ما «سرقوه»!!. إذا نظرت إلي ليبيا من الداخل ستجد كل أمراض الحكم العربي، بدءا من تأهيل «الابن» ليرث عرش البلاد، وصولا إلي الفساد. لدرجة أن الرئيس نفسه يحذر من انفجار ثورة الفقراء، كنتيجة لما سماه «انعدام العدالة في توزيع الثروة وتهميش الجماهير وحرمانها من المشاركة في الثروة والسلطة»!!. لكن العقيد القذافي يقول في حزم إنه لايزال ممسكاً بـ «صمام الأمان»، وكأي رئيس عربي هو الوحيد القادر علي صياغة واقع بلاده، وإعادة ترتيب توازناتها الإقليمية والدولية. «القذافي» هو صاحب السبق في الاستقالة من جامعة الدول العربية، والانسحاب من أروقة القمة، ممهوراً باسمه. حتي مقاطعته لقمة الرياض لم تمنعه من إعادة المطالبة بتجميد عضوية السعودية أو ليبيا. إنه الحاضر ـ الغائب في قمة الرياض، ربما لأنه يجيد دغدغة مشاعر الجماهير، والعزف علي أوتار اليأس المشدودة في فلسطين، وحبال الأمل الممدودة من سوريا إلي العراق إلي الرياض. لايزال الرئيس الليبي مصراً علي أن «إسراطين هي الحل»، وأن التوجه إلي أفريقيا السوداء هو البديل الأمثل للقومية العربية المتآكلة. يمكنك الآن أن تلحظ خارطة أفريقيا «الخضراء طبقاً لرؤيته» تزين صدره بدلا من عباءة «عمر المختار» التي ظل متمسكاً بها فترة طويلة. يمكنك أيضاً أن تستمتع بالوجوه المتعددة لرئيس عربي تتملكه أحياناً عقلية المفكر السياسي، وفي أحيان أخري تسيطر عليه روح الفيلسوف أو خيال الكاتب الروائي، وتدريجياً ستعتاد أسلوب «الصدمات الكهربائية» الذي يتقنه العقيد «القذافي» ويمارسه متي قرر أن يوجعنا، أو يجعلنا نسخر من أنفسنا إلي درجة البكاء أو الضحك الهستيري!. ما يلفت نظري في تصريحات «القذافي» أنه لا يستخدم مصلطحات دبلوماسية. إن خطابه موجه للشعوب، وبالتالي يمكن ـ تجاوزاً ـ أن تتبني تسميته مجلس الأمن: «مجلس الرعب»!!. إنه يبحث عن آلية لوقف حروب الإبادة التي تتعرض لها الشعوب العربية، ورغم أن تلك الإبادة تتم تحت بصر مجلس الأمن. فإنه يريد الآن من المجتمع الدولي الذي فرض الحصار علي ليبيا، وجعل تعويضات «لوكيربي» سيفاً مصلتاً علي رقبته. يريد منه الآن أن يستجيب لدعوته فيوقف الحروب، وينهي احتلال العراق، ويتوقف عن ملاحقة سوريا. |
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2009
(35)
-
▼
مايو
(16)
-
▼
مايو 16
(10)
- إسراطين هي الحل!!- المقال نشر بتاريخ 30 / 3 / 2007
- «الحلل» .. سلاح الفقراء!! _ المقال نشر بتاريخ 23 /...
- رحم للإيجار ! .. المقال نشر بتاريخ 16 / 3 / 2007
- كلنا في الهم «عرب» !! .. المقال نشر بتاريخ 9 / 3 /...
- إهدار دم «نوال السعداوي»!!- المقال نشر بتاريخ 2 / ...
- لعنة المصريين!!! - المقال نشر بتاريخ 23 / 2 / 2007
- العطار».. بضاعة رخيصة! - المقال نشر بتاريخ 9 / 2 /...
- الاغتصاب الجماعي!! - المقال نشر بتاريخ 26 / 1 / 2007
- المواجهة لاتزال مؤجلة!! _ المقال نشر بتاريخ 19 / 1...
- وزارة «قطاع خاص»!! - المقال نشر بتاريخ 12 / 1 / 2007
-
▼
مايو 16
(10)
-
▼
مايو
(16)
إسراطين هي الحل!!- المقال نشر بتاريخ 30 / 3 / 2007
«الحلل» .. سلاح الفقراء!! _ المقال نشر بتاريخ 23 / 2007
| إنها كارثة، وما الجديد؟! تعبير «كارثة» هو الإيقاع اليومي لحياتنا، هناك ٢٥٠ أسرة مشردة تبيت في العراء، أطفال حرموا من الدفء والحليب، ونساء فقدن الأثاث المتهالك، ورجال لا يعرفون السبيل لستر أعراضهن، إنه مجرد مشهد متكرر!!. صرخة من أحد الشباب في مواجهة عدسات التليفزيون : «معانا بنات ياريس»! نخوة الرجولة تملكته، فلم ير بين الحطام وأطلال الحريق ملامح طفل فطم علي الحزن، فعجز حتي عن البكاء. في المناطق المسماة «عشوائية»، ملاك الموت يفرض قانونه دون تمييز، والأزقة الضيقة التي تتسع لجلسات النميمة بين النساء، وتضم المشردين دون تذمر، تتحول إلي مقابر عامة حين تفرض الكوارث وجودها. لكن النساء اللاتي يعشن علي هامش الحياة، قررن الانتقال إلي بؤرة الضوء، هن لا يعرفن أدوات التظاهر، أو بالأحري لا يملكن رفاهية اليافطات والميكروفونات، كل ما بحوزتهن (أغطية الحلل). فالحريق التهم «قلعة الكبش» في ساعات قليلة . النساء قدن الرجال للتظاهر أمام مجلس الشعب، ورئيس المجلس الدكتور «فتحي سرور» غارق بين مواد الدستور. إنه نائب دائرة السيدة زينب مكان الكارثة، لكنه في ذلك اليوم المشؤوم كان يحصد أصوات «الأغلبية» ليحكم سيطرة الحزب الحاكم علي الوطن. الدكتور «سرور» كان يتابع هتافات أعضاء المجلس الموقر، التي تبدأ بصيحة :«بالروح بالدم نفديك (!!!)»، ثم ينتهي الهتاف إلي خيارات تتراوح بين «الحاكم» و «الإسلام» و أخيرا «مصر»، وأحسبه كان فرحا بنتيجة التصويت علي «سلق الدستور». وفيما أهالي الدائرة يلطمون الخدود، كانت المعارضة والنخب السياسية تندب بطريقتها، والأمن يطوق «الغضب» في كل مكان . لكن «ثورة الجياع» أعلي صوتا من مطالب الحرية، إنها ثورة مكبوتة خلف جدران واهية من الصفيح، إذا انطلقت من البؤر العشوائية لن توقفها قوات مكافحة الشغب، ولا تصريحات خطط تطوير العشوائيات . «العشوائيات» تحولت إلي حزام ناسف يطوق العاصمة، صحيح أن مليارديرات البلد أنشأوا لهم حصونا مغلقة خارج كردون المدينة، وخلقوا مجتمعات تقتصر عضويتها علي أصحاب الأصفار الستة أو المناصب الحساسة، أموالهم في بنوك سويسرا، وأولادهم في الجامعة الأمريكية، حتي الاستثمارات عرفت طريقها إلي أوروبا وأمريكا، لكن العشوائيات ستظل قنبلة قابلة للانفجار في مقارهم التي تحتل المناطق الراقية. هل عرفت الآن سبب هدم منازل المتضررين من الزلزال بالقطامية؟ الطبقة الجديدة التي تسيطر علي الثروة والسلطة كانت تتحسب للحظة الخروج الجماعي من خنادق الجريمة والإرهاب. وبدهاء قررت أن تقتصر المواجهة علي الفقراء والطبقة الوسطي !. لكن ما يستعصي علي الفهم أن الدول التي دمرتها الحروب لم تشهد هذا الانهيار الاقتصادي!. إنه الفساد «النكسة الجديدة» !!. «المهمشون» اخترقوا قلب العاصمة، اعتصموا ـ دون تدريب سياسي ـ أمام مجلس الشعب، لم تتبق -إذن- إلا خطوة واحدة ويعيدون توزيع الثروة بطريقتهم. الدستور (بعد التعديل) أطاح بفرص العدالة والمساواة، لكن هناك قطاعا ليس معنيا بالدستور، إنه يفرض العدالة بـ «أغطية الحلل». بعد مظاهرة الحلل، صدرت جرائد الخميس تبشر ضحايا حريق «قلعة الكبش» برعاية السيد رئيس الجمهورية، وتوفير المساكن اللازمة لهم!!. لكن رقعة العشوائيات ستتسع، والحكومة ستخفي مفاتيح المساكن المغلقة بعناد.. الضحايا لا يموتون في صمت دائما، أحيانا تتحول الجنازات إلي حالة «عصيان مدني». |
رحم للإيجار ! .. المقال نشر بتاريخ 16 / 3 / 2007
| ما أرخص الإنسان في هذا البلد! إن سعره لا يتعدي جنيهات قليلة في سوق الانتخابات، ولا يتجاوز خانة الصفرين في وظائف الحكومة التي تتستر علي البطالة. المواطن يسكن خانة الآلاف فقط إذا دخل تابوت ضحايا عبارات الموت، أو تبددت جثته علي قضبان السكك الحديدية. (٥ آلاف جنيه للمتوفي وألف جنيه للمصاب)، إنه الختم المنحوت علي مقابر الصدقة والمجهولين !. لكن «قانون الفقر» رفع سعر الإنسان في مزاد قطع الغيار البشرية! فلديه قطع كفيلة بشراء الحياة (لمن يملك).. فص من الكبد أو كلي قد يغير ملامح الواقع التعس، الفقراء لا يعرفون «التبرع بالأعضاء» ربما لأنهم لم يدركوا من قيمة الحياة إلا الشقاء ولعنة الاستمرار، «لتر الدم» في قاموس الفقراء يساوي زجاجة حليب للصغار أو كيلو لحمة، وأحيانا علبة دواء. إذا نظرت إلي تزايد معدلات الفقر بشكل موضوعي، ستجد نفسك في مواجهة الحكومة التي خصخصت حتي الوزارة لصالح رجال الأعمال، ستجد بين يديك تقارير هائلة عن الفساد وسوء الإدارة ونهب أموال البنوك، وتفصيل السياسيات الاقتصادية علي مقاس شلة المنتفعين. المدهش أنك ستجد عدة أسماء مصرية بين مليارديرات العالم، يحدثونك دائما عن فرص العمل التي يوفرونها لشباب مصر، وعن دورهم في تنمية المجتمع، ورعاية البحث العلمي والأرامل واليتامي وذوي الإحتياجات الخاصة.. إلخ. ستجد مقالات تهلل لما يسمي «الرأسمالية الوطنية»، ومقالات أخري تلعن زواج السلطة بالثروة، ستجر إلي إحصاءات رسمية مستفزة عن غد واعد بالرخاء !!. «الفقر» لا يحتاج إحصاءات، بل يحتاج حساً إنسانياً لفهمه واستيعابه، لست مضطرا لدخول متاهة تعديل الدستور لتحقيق العدالة والمساواة لتفهم آلام الفقراء.. فقط تحتاج إلي «قلب» يحتوي الضعف الإنساني. قلب يفهم إعلانا منشوراً علي الإنترنت لشابة تبلغ التاسعة والعشرين، تعلن عن رغبتها في تأجير رحمها مقابل خمسة عشر ألف جنيه للحمل الواحد (٢٥٠٠ دولار) ونفقة ثلاثمائة جنيه عن كل شهر حمل!!. الغريب ليس في طريقة تسويق الأرحام للإيجار، ولا في الفتاوي الدينية التي تجرّم تأجير الأرحام، ولا حتي في تناقض الآراء الطبية التي تتراوح بين اكتساب الصفات الجينية من الأم الحاضنة من عدمه. لكن المفزع أننا لم نسأل: ما الذي اضطر تلك المرأة لعرض رحمها للإيجار؟! إنها أم لولدين تعرف معني الحبل السري الموصول بين الأم ووليدها، ورغم ذلك قررت أن تؤجر رحمها لمن يدفع الثمن ؟. هذا الخبر هزني بعنف، ذكّرني بكلاسيكيات السينما المصرية التي تروي قصص أمهات يبعن أطفالهن ليطعمن باقي الأسرة.. تلك الروايات التي أصبحت واقعا معاشا نتابعه.. دون أن يهتز لنا جفن. وكأن «الفقر» خلق سوقا جديدة لا تحتكم للأخلاق ولا تعترف حتي بغريزة الأمومة.. سوقاً ينظمها قانون: (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، فيقتل الفقر الكامن بين الضلوع بانتحار جزئي، يدفن خلاله عضوا يمد الحياة في جسد آخر، ليصدر شهادة وفاة للدولة بمعناها السياسي وجدوي وجودها الاقتصادي. |
كلنا في الهم «عرب» !! .. المقال نشر بتاريخ 9 / 3 / 2007
| قل : «فخامة الرئيس» أو«جلالة الملك» أو «الحاكم العسكري»، الألقاب لاتهم داخل الحدود العربية. المهم أن الحكم يتم بنفس الآليات مع تعديلات شكلية طفيفة. قد يكون البرلمان هنا منتخبا، وهناك معينا، لكن أغلبها برلمانات لا تسمع «صوت الشعب» بل تنصت لهمس قصور الحكم!. وفيما نناضل نحن في «مصر» لتعديل الدستور، تتواصل ثورة الأرز في لبنان بسبب تعديل الدستور الذي أدخل البلاد في عهد الحكم الأبدي!!. لا تنظر إلي رفاهية «الكلام» التي تتمتع بها المعارضة المصرية، ولا تحسد المقاومة الإسلامية في لبنان علي «سلاحها»، فالأنظمة العربية لم تخلق المعارضة إلا لتأكييد وجودها. أو لتخويف الشعوب سواء من الفزاعة الإسلامية أو من الليبرالية المستوردة من الدول الكافرة. قبل أن تعلن «قانون الطوارئ» أنظر إلي المقابر الجماعية لنظام «صدام»، «الأمن» قبل الشعب دائما. راجع نفسك قبل الحديث عن تزوير الانتخابات، فهناك دول شقيقة لم تعرف الانتخابات ودول أخري لن تعرفها إلا علي مستوي «المحليات». دعك من نسبة تمثيل المرأة في المجالس التشريعية، لا تجاهد كي تعتلي المرأة منصة القضاء، يكفي أن المرأة لها «صوت انتخابي» لا يعد «عورة»، ولا تعتد بـ«عار» من يزورونه!. لا تتأمل طوفان الفساد الذي تغرق فيه البلاد، الفساد ظاهرة عالمية، تم تعريبها وتعميمها لمواكبة التطور العالمي. ولا تتطلع لأطروحات الديمقراطية الغربية، أنت أذكي من المؤامرات التي تحاك لنا لنغرق في فوضي الحروب الأهلية، أو نقع في قبضة الاحتلال الأمريكي. لا تشكو التدهور الاقتصادي، ولا تخبط السياسات، فعلاقة الشعوب العربية بحكامها مثل علاقة نجمة هائمة بلا جدوي في فلك مجرة هائلة لا نعرف أسرارها. لا أدري ما الذي يغري الإنسان العربي «المسالم بالفطرة» ليفتي في الدستور والفقه، ويعلو صوته بضجيج «يقلق الحكام» حول ذمة الحاشية ؟. لماذا لا يكتفي المواطن بالستر «كما تجسده ريشة الفنان مصطفي حسين علي قهوة الموظفين»؟. الشعب العربي صمد طويلا في مواجهة عمليات الغزو الفكري، وتجاهل كل نداءات التحرر التي بثها الغرب عبر وسائل الاتصال والإعلام. فدسسنا رؤوسنا كالنعام في الرمال حتي لا نسمع أنباء الحراك السياسي، ولا نتابع تقارير حقوق الإنسان التي تفضح عجزنا!. ولأننا أصحاب حضارة وتاريخ لم نكن يوما من أنصار «التغيير»، وكأننا أصبنا بسكته دماغية لا تستجيب للصدمات الكهربية. نردد -بسلبية- : «رغيف العيش أهم من تداول السلطة». حتي جاء إلينا من يحطم تابو الحكم المقدس، يعلمنا فن التمرد علي أنصاف الآلهة : «العقيد أعلي ولد محمد فال ـ الحاكم العسكري لموريتانيا » قرر إجراء الانتخابات الرئاسية، بعد انتهاء الفترة الانتقالية لحكم «المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية». «ولد فال» القادم إلي كرسي الحكم بانقلاب عسكري -سلمي نقل حكم موريتانيا إلي المدنيين. و لم يسلم الحكم قبل تعديل الدستور بنصوص تقيد فترات الرئاسة بفترتين، وتحظر علي رئيس الدولة الانتماء لأي حزب سياسي بعد نجاحه!!. موريتانيا التي عاشت تتأرجح من انقلاب عسكري إلي آخر، مقبلة علي انتخابات رئاسية خالية من «العسكر». فهل هذا هو سبب انزعاج الرئيس الليببي؟ |
إهدار دم «نوال السعداوي»!!- المقال نشر بتاريخ 2 / 3 / 2007
| لم أكن مهيأة يوماً من الأيام للدفاع عن الدكتورة «نوال السعداوي»، بل كنت في الحقيقة مستفزة دائمًا، ومتحفزة لنقد آرائها. ربما كنت أشعر أنها تفزع الرجال بجرأتها وتحرضهم ضد المرأة، وأنها تستخدم مصطلحات عدوانية تضر بقضايا المرأة أكثر مما تخدمها! باختصار اعتبرت اختلافي مع معظم ما تطرحه حالة صحية، تؤكد وجود «الأضداد» في ساحة الكتابة والعمل العام. لم أنبهر يوماً بكتاباتها، لكنني ظللت مشدودة لنموذج المتمرد إلي حد التهور، أو «الانتحار» لتقديم الدليل علي أنه «موجود»، أو كان كذلك رغم أنف المجتمع. كنت أتعجب كيف استطاعت أن تؤسس مجموعة تتبع منهجها الصادم، وتروج لأفكار لم تنضج بما يكفي لكسر نسق القيم العتيقة. لم أر في عملها «مشروعاً فكرياً» ينتشل المرأة - مثلا - من بئر الأمية، أو ينقذها من أمراض الفقر!! بل كنت أشعر أن مثلث (السعداوي - حتاتة - حلمي) يناضل برفاهية مزعجة. وظللت أتابع الضجيج المصاحب لكل ما تفعل، من مقالتها المناهضة لختان الرجل!! إلي هوجة التصريحات حول سفرها أو هروبها. لكن مساحة الاختلاف مع «نوال السعداوي» ليست مشرطا يشق صدرها للتأكد من درجة إيمانها! الاختلاف لا يعني نفي الآخر خارج خريطة الفكر أو إعدامه داخل حدود الوطن. لكن المجتمع المتربص بكل من يمارس الحرية (كما يراها) شمر عن سواعده الطاهرة لجلد «نوال السعداوي». في تطور خطير لمسلسل التشهير والتكفير، فتحت النيابة العامة ملف التحقيق في دعوي «حسبة»، وعادت «الحسبة» تهدد من يتلبس بجريمة «حرية الرأي» بإقامة حد الحرابة أو حد الردة !! إنها يوميات الاستسلام لقبضة الإسلام السياسي، تلك التي بدأت بالتفريق بين الدكتور «نصر حامد أبو زيد» وزوجته، وبعد هدنة من سنوات (التقية) أعلن التيار الأصولي أنه يحكم البلاد ويتحكم في العباد. الحكومة لم تتعظ من سطوة الإخوان التي كادت تطير الوزير «فاروق حسني» من مقعده. بل زايدت علي التيار الأصولي، لتتأكد خسارتها يوما بعد يوم. وفي مثل هذ المناخ يصبح «إعلان التوبة» إثر التهديد مهربًا عقلانياً، وهذا ما فعله «سيد القمني». لقد عدنا - إذن - إلي تلك السنوات القبيحة التي اغتيل فيها «فرج فودة» حين تصدي لمشروع الدولة الإرهابية. وكأن الدولة تسلم مبدعيها ومفكريها قرباناً للشعب يتلهي بذبحه وسلخه. فمادام النشاط السياسي محظوراً داخل الجامعة، والتظاهر ممنوعاً علي العمال، وأحزاب المعارضة تنفجر تلقائيا. لابد أن توفر للناس متنفساً، وليس هناك أرخص من دم النخبة المثقفة. الشعب لا يقوي علي محاربة الفساد، ولا يستطيع مساءلة الحكومة، لكنه يفرغ شحنات السخط والغضب حيثما تشير عصا التكفير! الناس يئست من معارضة تطلق شعارات سياسية لا يفهمونها، ملت تصريحات لا تترجم إلي لقمة خبز. هناك لغة واحدة سهلة تخترق قلوبهم دون تفكير، لغة تختصر التغيير والإصلاح في شعار: «الإسلام هو الحل»! هذا الشعار يحدد لهم عدواً لا يتمتع بأية حصانة، عدواً يتلقي كل اللعنات والطعنات باسم الفضيلة أو تحت بند الدفاع عن الإسلام. الحكومة تعمل بمنطق: «التفكير مسؤولية كل مفكر». أما الأزهر الشريف فقد أهدر دم «نوال السعداوي» بالمطالبة بمقاضاتها. المجتمع علي وشك الانتقال من خانة «أضعف الإيمان» إلي مرحلة إقامة الحد في ميدان التحرير. مجرد طعنة في صدر «السعداوي» وتصبح الدولة الدينية واقعًا. |
لعنة المصريين!!! - المقال نشر بتاريخ 23 / 2 / 2007
| وكأنها «لعنة» خرجت من تابوت مومياء مصرية لتستوطن بعض أكباد المصريين. لعنة كامنة خلف الضلوع، تسبح بين كرات الدم ثم تعود لتتلف موطنها الملتهب، وتدريجيا تحنط موطنها بخلايا متليفة تعجز عن مواصلة الحياة. وهنا فقط يعلم المواطن أنه قد أصيب بلعنة المصريين. قل: أنا مصري.. وجهي بسمرة «القمح»، غنيت للشمس خلف «سيد درويش» فلفحني لهيبها، وغنيت للنيل مع «عبد الوهاب»، أغراني صوته فتحممت في تلك الترعة الممددة بين الخضرة والصبايا الحسان. قالوا لي إن «البلهارسيا» أصبحت في خبر كان، فصدقت دعاء أمي : «ربنا يحميك يا ضنايا » ثم تتبعت صوتها العذب وأنجبت أطفالاً إذا تعثر أحدهم أقول له «كبدي.. ياولدي»، الآن فقط اكتشفت معني الضنا.. وثمن الكبد. في سوق المرض هناك مافيا تحتكر تجارة الأعضاء البشرية، إنها سوق يحكمها قانون الفقر وتتحكم فيها قصور التشريعات. سوق لا تعترف إلا بسطوة الدولار أو اليوان الصيني، السماسرة فيها أقوي من الأطباء، والمرضي خاضعون لقانون العرض والطلب. ما أسهل أن تجد متبرعًا (الأدق بائعًا) لفص من كبده أو إحدي كليتيه تطابق أنسجته وفصيلة دمه نفس أنسجتك وفصيلة دمك، لكن المستحيل أن تملك ثمن ما يحتاجه جسدك الهزيل ليواصل مشوار الحياة. زراعة الكبد تتكلف في أوروبا وأمريكا ٣٠٠ ألف دولار، بينما يجريها الصينيون بـ٧٠ ألف دولار فقط، أما مصر فمازالت تنتظر قانوناً متعثراً في أروقة الجهات التشريعية. ولعل هذا ما خلق سوقا موازية للأسواق الخارجية، فجراحات الزرع الجزئية للكبد (فص من الكبد) تجري بنجاح في مصر، وقطعا تحمي الأوراق المتبرع حتي لا يقع تحت طائلة القانون الذي يجرم تقاضي الثمن. وإلي أن يصدر القانون أو الفتوي.. من يدفع الثمن ؟. هناك من تظاهر أمام وزارة الصحة يطالب بعقار «الإنترفيرون» لعلاج فيروس (سي)، لكن من يكترث لصرخة مريض يتهيأ لاستقبال سرطان كبد لا يقدر علي استبداله. هناك آلاف المرضي بفيروس سي لجأوا للعلاج بالأعشاب، وركضوا خلف خرافات لدغ النحل وشرب بول الإبل، هؤلاء خارج الإحصائيات الرسمية ومظلة التأمين الصحي (علما بأن أحد العوامل الرئيسية لسرطان الكبد فيروسات B وC). علي صفحات «المصري اليوم» كان هناك خبر يبشر المصريين بإجراء أول عملية زرع كبد بمعهد الكبد، دون أن تعلن وزارة الصحة كيف ؟، أو تصرح لنا كم سعر الكبد في السوق المحلية؟ القائمون علي التشريعات تحت قبة مجلس الشعب المواجه لمقر وزارة الصحة للعلاج علي نفقة الدولة ربما يتضررون من تكدس المرضي، لا يشعرون بآلامهم النفسية التي تتبدد مع نقص عقار «الإنترفيرون» وبدء العد التنازلي لأعراض سرطان الكبد. لكن يبدو أن هناك لعنة أخري تطارد المواطن، فهو ليس سوي رقم في زحام الأرقام القومية، مجرد حالة قد تقل خطورة أو تزيد عن أنواع السرطان الأخري، فكلنا في الهم مرضي. قانون زراعة القرنية صدر بأعجوبة من مجلس الشعب، إلا أن قانون التبرع لبقية الأعضاء لم يحظ حتي بنظرة في الدورة الحالية. في الحالات التي عرضها برنامج «القاهرة اليوم» لمرضي زرعوا أكبادا في الصين كان من بينهم عميد شرطة تولت وزارة الداخلية علاجه. كم وزارة أو نقابة في مصر تفعل ذلك؟، بحسب معلوماتي قرارات العلاج في الخارج تقتصر علي المحظوظين أو المسنودين. قبل أن تطالبوا المواطن البسيط بالتبرع بالدم لتسديد فواتير الفساد، وفروا له مظلة تشريعية وصحية تحميه من مافيا تجارة الأعضاء. هناك علاقة دم تربط المصري بلعنة الفيروسات، وتقوده لقبر معتم بعد طول معاناة. البعض يشفي من تلك اللعنة بمئات الآلاف من الجنيهات، والأغلبية تطهر جروحها بتصريحات الحكومة. |
العطار».. بضاعة رخيصة! - المقال نشر بتاريخ 9 / 2 / 2007
| هناك أنواع من «الحب» تصل إلي درجة الإيمان، لا تخضع لمقاييس الأخذ والعطاء، إنها مشاعر «مقدسة» تتجاوز القدرة علي التفسير. هو حب لا تدري متي ولد بداخلك، علي الأرجح أنه ولد معك. حب تدركه طيلة الوقت، تصافحه في سمرة الوجوه المتعبة، تشتم رائحته في عرق الكادحين. حب تلعنه حين تختنق في إشارات المرور والمواكب الرسمية، ثم تسترده سريعاً مع نسمة حنون علي كورنيش النيل! قد يحاصرك في زنزانة ضيقة لأنك فكرت، أو كتبت، أو تظاهرت، لكنك تعيشه شعرا حتي لو مت ألف مرة. ربما تهرب منه، وتضبط نفسك متلبسًا بفكرة «الهجرة»، لكن سرعان ما تتوه في زحامه مخدرًا بآلامه، تنتظر أن يتحرر بك غدًا، أن تتحرر معه، لكن الغد لا يأتي إلا بمزيد من القهر. تسكنه بإرادتك، ويسكنك رغما عنك، إنها حالة من الذوبان تسمي: «عشق الوطن». حالة تختلط فيها أصوات الباعة الجائلين بالشحاذين بالمتظاهرين. حلقة مفرغة تطوقك بقضايا الفساد، ولعنة الفيروسات،وخطر السفاحين والمهووسين جنسيا أو سياسيا. لايهم يكفيك أن تهرب في النهاية لضحكة طفل بريئة. لا تفكر في موقع «الطفل»، عله ينتظر جرعة علاج كيمائي في طابور طويل لمرضي السرطان، أو أنه أحد أطفال الشوارع المتسربين من التعليم، أو -في أفضل الأحوال - ينتظر عودة أمه برغيف ساخن (بنار الفرن). هو في النهاية مجرد طفل يجسد حرمانك بالأمس وربما يفلت من معاناتك اليوم. مهما كنت محبطا ستجد في هذا البلد صبية تحلم بفارس يخطفها من قوائم العنوسة، وشاباً يطالع أهرام الجمعة بحثا عن فرصة عمل أضيق من ثقب إبرة. ستجد المحال مازالت تبيع دبل الخطوبة وشموع السبوع، في الوقت الذي تندد فيه منظمات حقوق الإنسان بالتعذيب والاعتقالات، وستجد -دائمًا - جدلاً لا ينتهي حول الإصلاح السياسي. لا تسأل عن حقوق المواطنة لأنها مجرد مادة في الدستور، لن تهبك قرض إسكان ولا حتي «بطانية بالية» في عز طوبة، لكن بما أنك «أنت» موضوع المناقشة «فليعلو» صوتك (قبل أن تبتلع لسانك). تكلم الآن عن المساواة بين عنصري الأمة، أو جامل المرأة بمزيد من الحقوق السياسية. الديقراطية لن ترقي لمستوي الممارسة، فيكفي أن تتكلم ليقال أنك «ديمقراطي». أنت في قلب هذه الفوضي «موجود»، صحيح (ماشي جنب الحيط)، تطالع بالصدفة مانشيتات الصحف فتقرأ عن استبداد الحزب الحاكم، وتخبط أحزاب المعارضة، و ملاحقة الإخوان المسملين. علي أرض الواقع أنت خارج تلك الخريطة المرتبكة في عالم مغلق علي همك الخاص، لكنك مازلت هنا، لم تهرب إلي جحيم الخيانة مهما بلغ بك السخط !!. حتي لو كنت علي حافة الكراهية فمازال حبلك السري موصولاً بهذا البلد !. لأنك لم تسقط بعد، لم تكفر بعد، لم تبع شرف أبيك مقابل حفنة دولارات. الخروج من المجال العاطفي قد يصبح - أحيانا - عنوانا للضياع، رحلة الضياع قد تكون مدخلك لعالم الإرهاب أو الجريمة، وفي حالات استثناية قد تقودك إلي بؤرة الخيانة. أبشع أنواع الخيانة تلك التي تبدأ بفيروس قاتل للضمير الوطني يقضي علي خلايا الانتماء، فيروس يدمر جينات الحنين الغريزي لحضن الأم، إنه فيروس «السقوط» في شبكة جاسوسية. هكذا مات الإنسان «محمد عصام العطار» ووُلِدَ الجاسوس «جورج» أو «كوهين» الأسماء لا تهم، المهم أن هناك مواطناً مصرياً سقط في شباك الموساد المنصوبة لكل من يتجاوز الحدود. لم يكن «جورج» يبحث عن لؤلؤة مخبأة في محارة الغربة، بل كان هاربا من ديون الاستهتار والعبث. كان مثل آلاف الشباب الذين يقايضون الزواج من إسرائيلية بالهوية المصرية طمعا في فرصة عمل وإقامة في قلب تل أبيب، واحدًا ممن لا يعرفون ثمن الوطن إلا عند «البيع»! لكن «جورج» لم يلق بنفسه علي ضفاف شواطئ أوروبا أو يقع تحت سطوة أي كفيل عربي، فقد قرر أن يبيع بأعلي سعر أسرار الوطن للأعداء. وبعد عدة سنوات في نعيم كندا وخلايا الشذوذ والمجون والتجسس مطلوب منا أن نتقبل دفاع الأم أو الخال، أن نرفع عنه صفة جاسوس وننتظر ربما يكون مجنيا عليه !! قد يكون في قلب أمه متسعا للمغفرة لأنها مازالت مصرية، لكن قاموس الوطنية لا يتسع للخونة. في المشهد الختامي لفيلم «إعدام ميت» تم إعدام الجاسوس بيد أبيه، والآن يتمني الأب «العطار» أن يشنق ابنه بيده لو ثبت أنه جاسوس. امنحوه هذا «الشرف» ليمحي عاره، ويرفع رأسه بين أبناء وطنه. |
الاغتصاب الجماعي!! - المقال نشر بتاريخ 26 / 1 / 2007
| في محاولة بعيدة عن مضمون اللغة، ومحددات المجمع اللغوي حاولت البحث عن تعريف واضح في ذهني لكلمة «سفاح». هل السفاح بلغة السياسة هو من يغتصب كرسي في البرلمان بالتزوير، أو من يبرر كل الجرائم السياسية التي تبدد ما تبقي من أشلاء الوطن؟. هل السفاح في القاموس الاقتصادي هو من سرق أموال البنوك «مدخرات المجتمع» وهرب بها إلي الخارج؟ أم من سهل له فتح خزائن البلد ويسر له النهب والهرب؟. السفاح ليس مجرد رجل شاذ جنسيا يستهدف مواطن العفة في المرأة بـ«مطواة»، أو يستهدف النساء في «مؤخراتهن». علي الأرجح هناك خلفه ألف ألف سفاح دفعوه للشذوذ والهوس الجنسي. هناك منظومة متكاملة تفرخ لنا كل يوم سفاحين جددا: من خلق حالة البطالة وتسبب في وجود ١١ مليون أعزب تخطوا سن الزواج أحد أضلاع تلك المنظومة، من سرق أحلام الشباب وتاجر بها في سوق الهجرة غير المشروعة، ومن أغرق الكادحين القادمين علي عبارة الموت «السلام»، ومن لوث دماء المتبرعين بالدم، ومن جعل قانون الواسطة هو القانون الوحيد الساري في تعيين الخريجين، ومن قصر المناصب الإدارية العليا علي ذوي المواهب من تفتيح المخ إلي قبض العمولات، هؤلاء هم المذنبون الأصليون خلف ظهور المرضي النفسيين الذين يترجمون أمراضهم الاجتماعية بتشويه المجتمع، وانتهاك الأعراض في الطريق العام. هل أغالي إن قلت أن كليب اغتصاب عماد الكبير في مؤخرته،وهو كليب منتشر جدا، كفيل بخلق مائة ألف سفاح يقتص لكرامته من دولة تنتهك فيها حقوق الإنسان ليل نهار، دون رادع قانوني أو أخلاقي!. القهر السياسي معمل تفريخ للسفاحين فالرجل يصدر القهر للمرأة وبحسب تقرير «مركز الأرض لحقوق الإنسان» فالعنف ضد النساء كان سبباً مباشرا في وفاة ١٢٣ امرأة مصرية خلال الأشهر الستة الأخيرة، بينها ٢٨ حالة عنف أسري!. وطبقا لنفس التقرير فأعلي معدلات العنف الأسري تسجل في موسم الدراسة والأعياد، كنتيجة للمشاحنات حول الشؤون المالية بين الزوج والزوجة. الفقر هو السفاح الأصلي الذي أطلقته الحكومة خلفنا، يطاردنا في صحونا ومنامنا!!. «السفاح» الذي يروع النساء في حي المعادي ليس سوي لقطة في مشهد كامل حذف معظمه، لأن هناك حملة ترويع منظمة تستهدف المرأة المصرية. في البداية قيل لنا أن حالة التحرش الجنسي التي حدثت في وسط المدينة سببها العري والخلاعة، ثم اكتشفنا بعد ذلك أن بعض من تعرضن للسعار الجنسي كن «محجبات». وحتي يكتمل المشهد ثار المجتمع بأكمله ضد وزير الثقافة بسبب تصريحاته حول الحجاب، وبعد تسجيل أهداف راجحة لجماعة الإخوان المسلمين في مباراة العودة إلي عصور الظلام هدأت العاصفة . وأخيرا يبدأ المجتمع في الانشغال بـ«حودايت السفاح» المليئة بالإثارة والسخونة، ليتحول كل الاهتمام إلي طبيعة الطعنات هل هي من الخلف أم من الأمام!. هناك من درس العقل الجمعي للمجتمع المصري، وولع الناس الشديد بالرشوة الجنسية في أي قضية فساد، هناك من يعلم أن مجرد بدء المارثون الإعلامي المتابع لقضية السفاح، سيصرف المجتمع عن مناقشة تعديل الدستور، وعن قضاياه المصيرية . ويبدو أن الفرقعة الإعلامية حول قضية «شيرين رضا» لم تحقق النتائج المرجوة منها، فكان لابد من رمي طعم جديد يداري علي حكاية عماد الكبير، وكليب الفتاة المعلقة من قدميها. فلا يجوز أن نتحدث عن تجاوز بعض ضباط الشرطة في الشهر الذي تحتفل به الدولة بعيد الشرطة!. المهم أن المرأة دائما هي الضلع الأضعف، إذا أرادوا ضحية تجذب الانتباه قدموا شيرين رضا، وإذا استخدموا صورة السفاح التي نشاهدها في أفلام هوليوود خلقوا حالة ترويع للمرأة.. أليس هذا عنفا جماعيا ضد المرأة؟. في تقرير «مركز الأرض لحقوق الإنسان» الذي أشرنا إليه معلومة مؤلمة : هناك حوادث اغتصاب جماعي، وبحسب التقرير هناك حادثة اغتصاب قام بها ١١ شابا لفتاة واحدة، وحادثة أخري ارتكبها تسعة رجال لامرأة واحدة. نعم، هناك حوادث اغتصاب جماعي لحقوقنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هناك اغتصاب حتي لشعار الدولة (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين). |
المواجهة لاتزال مؤجلة!! _ المقال نشر بتاريخ 19 / 1 / 2007
| أخيرا.. أسقط الرئيس «محمد حسني مبارك» ستائر التجاهل عن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. ولعلها المرة الأولي -خلال فترة حكمه - التي يهاجم فيها الرئيس تياراً معارضاً حين وصف الإخوان بأنهم «خطر علي أمن مصر»، وأن صعود تيارهم من شأنه عزل البلاد عن العالم. ورغم أن صعود الإخوان قد تأكد منذ فوزهم بـ ٨٨ مقعدا في مجلس الشعب، فإن الرئيس اختار توقيت تصريحاته لجريدة «الأسبوع» في مناخ صاخب. مناخ تبحث فيه الجماعة عن موطئ قدم في التعديلات الدستورية، وتجمع فيه قوي المعارضة أدلة إدانة الحزب الحاكم بعد فضيحة الدم الملوث!!. هل قرر الرئيس نقل ملف الجماعة المحظورة من «أمن الدولة» إلي «الأمن القومي»؟. أم أن خطوات الإصلاح البطيئة لم تفسح مجالا إلا للتيار الإسلامي، حتي أصبح -تقريبا- المنافس الوحيد للدولة، فلم يعد هناك مفر من الاعتراف به كلاعب أساسي، وجره من خلف لافتة «الإسلام هو الحل» إلي الملعب السياسي؟. إذا كان توقيت تصريحات السيد الرئيس غير مفهوم فعلي الأقل كان مطلوبا. كان لابد أن تبادر القيادة السياسية وتحدد موقفها من مشروع الدولة الدينية الذي يكسب أرضية جديدة كل يوم، لكن الأهم من ذلك كان لابد أن تنتبه قيادات الحزب الحاكم لتضاريس تلك الأرضية، وأن تستشعر خطر زحف «كتائب الإخوان» علي إيقاع النشيد الرسمي الذي يبرر «الفساد»، بل ويقننه ويضع له قواعد وأصولاً من يتخطاها يسقط قرباناً للرأي العام المتحفز لنيل رأس بحجم الدكتور «هاني سرور». الفساد هو مصدر مصداقية الخطاب الديني في الشارع، فإذا أضفنا إليه قمع الحريات وقانون الطوارئ والبطالة والغلاء يصبح الإنجاز الوحيد للحكومة هو تمهيد الأرض أمام تيار الإخوان المسلمين، وتسلم المواطن للجماعة في حالة إعياء أو هذيان!. الغريب أن رموز الحكم كانت مشغولة بالمزايدة علي بعضها البعض برفع شعار «في حب مصر.. والصناعة الوطنية»، والمزاد الكلامي مفتوح علي الفضائيات لكل من يلقي قصيدة ركيكة في حب مصر سواء دفاعا عن «هايدلينا» أو هجوما عليها!. وهناك من وجد المنبر مفتوحا لحديث لا ينقطع عن «حقوق الإنسان» التي لم ير منها إلا حق جماعة الإخوان المحظورة في تأسيس حزب سياسي، والهجوم علي الملاحقة الأمنية لأموال الإخوان واعتقال بعض قياداتهم. وما بين المغالاة في التغني بحب مصر والعزف علي قيثارة الحريات تشابهت كل الأحاديث، وبرز خطاب واحد مختلف اللهجة تبدو فيه نبرة الارتباك أكثر من من نبرة ثقة، إنه حديث المرشد العام للجماعة المحظورة «مهدي عاكف»، الذي خرج عن مبدأ «التقية» وتقمص دور «الضحية» ردا علي ضرب أذرعه المالية وسحب هامش حرية الحركة بين الجماهير. بدا واضحا أن «عاكف» يتأرجح بين دوري: «البطل» و«الضحية»، فجماعته ليست بقوة «حماس» لتحمله إلي سدة الحكم، ولم تعد أيضا تعمل تحت الأرض لترغم الدولة علي قبولها بدلا من فواتير العنف والإرهاب. حتي النموذج الذي يتدارسه الإخوان ليس قابلا للتحقق في الشارع المصري (جبهة العمل الإسلامي في الأردن، وحركة الإصلاح في اليمن)، فالإخوان في مصر لا يمكنهم فصل الدعوة عن السياسة، فالدعوة هي طريقهم الوحيد لتجييش الشباب في كتائب (قابلة للتسليح)، وهي ورقتهم الرابحة في مختلف الانتخابات، والدعوة أيضا هي الإيصال الرسمي لكل ما يتلقونه من دعم وتمويل. الإخوان -إذن- في مأزق، يبحثون عن مظلة حماية من المعارضة المشروعة، ويراهنون علي الشارع الذي تتحكم فيه المشاعر الدينية (قرر «عاكف» طرح مشروع حزبه علي الجمهور بدلا من لجنة الأحزاب)!. |
وزارة «قطاع خاص»!! - المقال نشر بتاريخ 12 / 1 / 2007
| لي مطلب غريب بعض الشيء: أتمني علي الدكتور «حاتم الجبلي» وزير الصحة أن يدعم مضادات الاكتئاب. أو أن يوزع تلك الأدوية من ماله الخاص رحمة علي أرواح ضحايا وزارته! فمصل «الطمأنينة» الذي يوزعه بالمجان علي الناس فاقد الصلاحية، تماماً مثل الأمصال التي تستوردها وزارته والدماء الملوثة التي تنشر الموت بين أبناء هذا الوطن. فإذا أضفنا بعض المهدئات إلي مضادات الاكتئاب ربما نفهم قواعد الاتجار بحياة الناس، ربما نحل الشفرة المعقدة التي تربط السلطة بالثروة، نفهم الحكمة من غطاء «الحصانة» الذي يحمي المناقصات المشبوهة ويمرر المنتجات المعيوبة. هل هناك ثمن أقل للحياة من معرفة القاتل، وطريقة القتل؟ ألا يعد هذا مطلباً عادلاً لملايين الضحايا من مرضي الكبد والكلي ومرضي السرطان؟ إن إدارة وزارة الصحة بعقلية القطاع الخاص لم تسفر إلا عن كوارث كان أولها تلوث أجهزة الغسيل الكلوي بفيروس الإيدز، ولم يكن آخرها تطعيم الأطفال بأمصال منتهية الصلاحية. هناك دماء ملوثة تلطخ جدران تلك الوزارة، ورائحة صفقات عفنة لم تفلح ثلاجات الموتي في سترها. هناك جثث تعاني الموت البطيء فيما تتابع ملف إهدار المال العام وتتساءل: ما سر جبروت صاحب شركة «هايدلينا» لتتغير لجنة المناقصات من أجله، وتسند له عملية التوريد دون وجود سابقة أعمال؟ أين ذهبت ضمائر كل من شارك في هذه الصفقة أو تستر علي الضالعين فيها؟ ما سر عبقرية زملاء الدكتور «الجبلي» وشركائه في مستشفي «دار الفؤاد» ليسند إليهم المناصب المهمة في وزارته «المتعلق منها بالتوريدات تحديداً»؟، وما الذي يضيفه المنصب أصلاً لطبيب ناجح أو مشهور؟ لماذا يدار البلد وكأنه إقطاعية خاصة لا يخترق أسوارها إلا الأجهزة الرقابية وعادة بعد فوات الأوان. الفساد في وزارة الصحة مختلف، إنه مثل ملاك الموت، يأخذ الأرواح دون شفقة، لا ينظر لدموع الأرامل والثكالي واليتامي. لكن ملك الموت ينفذ مشيئة إلهية، يمر بين أجسادنا تماماً مثل سكين «الحقيقة» لنفيق من غفلتنا، أما سكين وزارة الصحة فهو بارد وملوث لا يرأف بالذبيحة فلا يهديها موتاً سريعاً. إنه ألعن أنواع الفساد، لأنه يجمع علي طاولة واحدة بين جراح يخترق قلوبنا بمشرطه، وفي مواجهته سمسار لتجارة الأعضاء، وحانوتي، و«تربي» اعتاد علي دفن الجريمة. كيف تحولت تلك الطاولة المهيبة في غرف العمليات، التي كانت تنقل لنا بشارة النجاة من الموت، إلي طاولة قمار كل من عليها قابل للبيع؟ ومتي أصبح الطب مجرد صفقات تتم في هدوء المقابر، وعمولات تحوّل إلي بنوك سويسرا؟ بداخلي رفض لهذه التساؤلات، فأنا ـ مثلكم تماماً ـ تتملكني الرغبة في امتلاك يقين قاطع بأن ما يحدث مجرد كابوس، وأن قطاع الطب في مصر هو الملاذ الآمن، الخالي من الشوائب وبكتيريا الفساد. لكن بكل أسف حسب تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة أنفسهم هناك حوالي ٣٦ ألف كيس نقل دم ملوث تم تداولها حتي الآن، هذا بخلاف ما تم توريده للقطاع الخاص. هناك أيضاً تقرير الدكتورة «فاتن مفتاح» مديرة المركز القومي لنقل الدم الذي يؤكد أن استعمال الدم الملوث بعفن تلك الأكياس يؤدي للإصابة بالفشل الكلوي والسرطان. كل هذا ولا يزال وزير الصحة يطمئن الناس، لا يزال جالساً علي مقعده الوثير علي رأس الوزارة لم يهتز. لكن تصريحاته لا تطمئن إلا من شاركوا في جريمة نشر الدم الملوث بين المواطنين، وتغري كثيرين ممن اشتروا الحصانة بالثروة للتمادي في طغيانهم. في مصر لا يوجد من يفعل قانون منع تعامل أصحاب الحصانة مع هيئات الدولة المختلفة، ولا قانون محاسبة الوزراء الذين يحترف بعضهم البيزنس بأسماء الأولاد والزوجات. السياسة الآن تحقق أعلي ربحية في مجال البيزنس، ونحن مجرد شهود علي زواج المتعة السريع بين الثروة والسلطة. |

