| لي مطلب غريب بعض الشيء: أتمني علي الدكتور «حاتم الجبلي» وزير الصحة أن يدعم مضادات الاكتئاب. أو أن يوزع تلك الأدوية من ماله الخاص رحمة علي أرواح ضحايا وزارته! فمصل «الطمأنينة» الذي يوزعه بالمجان علي الناس فاقد الصلاحية، تماماً مثل الأمصال التي تستوردها وزارته والدماء الملوثة التي تنشر الموت بين أبناء هذا الوطن. فإذا أضفنا بعض المهدئات إلي مضادات الاكتئاب ربما نفهم قواعد الاتجار بحياة الناس، ربما نحل الشفرة المعقدة التي تربط السلطة بالثروة، نفهم الحكمة من غطاء «الحصانة» الذي يحمي المناقصات المشبوهة ويمرر المنتجات المعيوبة. هل هناك ثمن أقل للحياة من معرفة القاتل، وطريقة القتل؟ ألا يعد هذا مطلباً عادلاً لملايين الضحايا من مرضي الكبد والكلي ومرضي السرطان؟ إن إدارة وزارة الصحة بعقلية القطاع الخاص لم تسفر إلا عن كوارث كان أولها تلوث أجهزة الغسيل الكلوي بفيروس الإيدز، ولم يكن آخرها تطعيم الأطفال بأمصال منتهية الصلاحية. هناك دماء ملوثة تلطخ جدران تلك الوزارة، ورائحة صفقات عفنة لم تفلح ثلاجات الموتي في سترها. هناك جثث تعاني الموت البطيء فيما تتابع ملف إهدار المال العام وتتساءل: ما سر جبروت صاحب شركة «هايدلينا» لتتغير لجنة المناقصات من أجله، وتسند له عملية التوريد دون وجود سابقة أعمال؟ أين ذهبت ضمائر كل من شارك في هذه الصفقة أو تستر علي الضالعين فيها؟ ما سر عبقرية زملاء الدكتور «الجبلي» وشركائه في مستشفي «دار الفؤاد» ليسند إليهم المناصب المهمة في وزارته «المتعلق منها بالتوريدات تحديداً»؟، وما الذي يضيفه المنصب أصلاً لطبيب ناجح أو مشهور؟ لماذا يدار البلد وكأنه إقطاعية خاصة لا يخترق أسوارها إلا الأجهزة الرقابية وعادة بعد فوات الأوان. الفساد في وزارة الصحة مختلف، إنه مثل ملاك الموت، يأخذ الأرواح دون شفقة، لا ينظر لدموع الأرامل والثكالي واليتامي. لكن ملك الموت ينفذ مشيئة إلهية، يمر بين أجسادنا تماماً مثل سكين «الحقيقة» لنفيق من غفلتنا، أما سكين وزارة الصحة فهو بارد وملوث لا يرأف بالذبيحة فلا يهديها موتاً سريعاً. إنه ألعن أنواع الفساد، لأنه يجمع علي طاولة واحدة بين جراح يخترق قلوبنا بمشرطه، وفي مواجهته سمسار لتجارة الأعضاء، وحانوتي، و«تربي» اعتاد علي دفن الجريمة. كيف تحولت تلك الطاولة المهيبة في غرف العمليات، التي كانت تنقل لنا بشارة النجاة من الموت، إلي طاولة قمار كل من عليها قابل للبيع؟ ومتي أصبح الطب مجرد صفقات تتم في هدوء المقابر، وعمولات تحوّل إلي بنوك سويسرا؟ بداخلي رفض لهذه التساؤلات، فأنا ـ مثلكم تماماً ـ تتملكني الرغبة في امتلاك يقين قاطع بأن ما يحدث مجرد كابوس، وأن قطاع الطب في مصر هو الملاذ الآمن، الخالي من الشوائب وبكتيريا الفساد. لكن بكل أسف حسب تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة أنفسهم هناك حوالي ٣٦ ألف كيس نقل دم ملوث تم تداولها حتي الآن، هذا بخلاف ما تم توريده للقطاع الخاص. هناك أيضاً تقرير الدكتورة «فاتن مفتاح» مديرة المركز القومي لنقل الدم الذي يؤكد أن استعمال الدم الملوث بعفن تلك الأكياس يؤدي للإصابة بالفشل الكلوي والسرطان. كل هذا ولا يزال وزير الصحة يطمئن الناس، لا يزال جالساً علي مقعده الوثير علي رأس الوزارة لم يهتز. لكن تصريحاته لا تطمئن إلا من شاركوا في جريمة نشر الدم الملوث بين المواطنين، وتغري كثيرين ممن اشتروا الحصانة بالثروة للتمادي في طغيانهم. في مصر لا يوجد من يفعل قانون منع تعامل أصحاب الحصانة مع هيئات الدولة المختلفة، ولا قانون محاسبة الوزراء الذين يحترف بعضهم البيزنس بأسماء الأولاد والزوجات. السياسة الآن تحقق أعلي ربحية في مجال البيزنس، ونحن مجرد شهود علي زواج المتعة السريع بين الثروة والسلطة. |
عزا في الغابة
قبل 6 أعوام


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق