جمهورية الخوف!! _ نشرت بتاريخ 22 / 12 / 2006

أحاول منذ عدة أشهر استيعاب ما يحدث في بلدي، أردد سراً: نعم إنها مصر بلد الأمن والأمان، وليست دولة الترويع والتعذيب!.

أبحث عن مبرر واحد لسادية بعض رجال الشرطة، وألجأ إلي مخبأ الإنكار هرباً من الصور المشينة التي تلاحقني عبر الإيميل والصحف والقنوات الفضائية. لكنني لم أفلح لا في تصديق أنه مازال البلد الذي أعرفه، ولا في قبول «القبح» الذي يلوث صورته.

مصر الآن هي جمهورية الخوف، بكل مفردات الخوف من الجلد إلي الطلقات المطاطية وخراطيم المياه، وصولاً إلي أبشع آليات بث الذُعر في نفوس المواطنين: الاغتصاب بعصا غليظة!.

هل تحولت قوات الأمن إلي «قوات احتلال»؟، تكرر مأساة سجن «أبو غريب» بحجة حماية الدولة، وتنشر الأمراض النفسية لبعض المنتمين لجهاز الشرطة عبر الموبايل والسيديهات.

إن تلفيق القضايا وتوسيع دائرة الاشتباه والتهديد بتهمة «مقاومة السلطات» لم يقض علي الجريمة، ولم يفلح في تطبيع العلاقة بين الشرطة والشعب، بل زادها سوءاً.

بل إن ثقافة الخوف التي دأبت أجهزة الشرطة علي تفخيخ ربوع الوطن بها تحولت إلي ألغام تنفجر في وجوههم هم.

تذكروا التحرش بالنساء في المظاهرات، وانتهاك كرامة المواطن «أمجد مختار حسين» في معتقل الزعفرانة. تذكروا براءة المتهم في مجزرة «بني مزار» لتكتشفوا معي أن اغتصاب «عماد الكبير» في قسم الشرطة هو دليل فشل قانون الخوف الذي يحكمنا.

«عماد» في حقيقة الأمر ليس كبيراً بمفهوم هذا الزمن الرديء، فهو من عائلة بسيطة، يكد ويعمل في حي شعبي، لكنه يملك «نخوة» أصبحت صفة مندثرة، نخوة دفعته للدفاع عن ابن عمه في مواجهة أمين شرطة، فكان الجزاء ضربة بالـ«طبنجة الميري» نتج عنها جرح قطعي في فروة الرأس!!

لكن القلوب التي خاصمتها الرحمة لم تر في الجرح عقوبة رادعة، خاصة أن عماد فريسة سهلة يمكن تحويله إلي «عبرة» يحكمون بها حي بولاق الدكرور. كان من الممكن أن تنجح خطة قوات التعذيب داخل جهاز الشرطة لولا المغالاة في التباهي بالجريمة، ونشر الكليب المشين بين المواطنين، وإذلال عماد وأسرته بما فعله به رجال يعانون الاضطراب العقلي والشذوذ الجنسي.

عصابة التعديب استمرأت لعبتها، وعادت لتكرار اللذة المرضية مع شقيق عماد، وحين اقتادوا شقيقه إلي قسم الشرطة نزف عماد من جديد. اعترف عماد لجريدة «الفجر» أنه الرجل المغتصب في الكليب، وروي تفاصيل تعذيبه، ثم وقع بين شقي الترهيب والترغيب، ووقع صفقة رديئة مع الضابط «ابن الذوات»، لكنه أخيراً وجد الملاذ الآمن في تحقيقات النيابة. مازالت القضية مفتوحة، ومازالت «الفضيحة» مدوية لأنها تمس سمعة جهاز الشرطة بأكمله، هذا الجهاز الذي خرج عماد علي شاشة الأوربت ليعلن أن أهم إنجازاته إجبار رجل علي أن يقول: «أنا مرة»!

الألفاظ التي تفوّه بها عماد علي شاشة الأوربت لم تكن جارحة لمشاعر المواطنين بقدر ما كانت موجعة للضمائر، تلك الضمائر التي تتجنب دخول قسم الشرطة سواء للإدلاء بشهادة حق أو للبحث عن حق ضائع.

لم يعد هناك مجال للحديث عن جرائم حقوق الإنسان التي لا تسقط بالتقادم، ولا للحديث عن تجاوزات بعض رجال الشرطة، لسبب بسيط لأن الخوف يسكن بداخلنا جميعاً. فكلنا في نظر رجال الشرطة متهمون إلي أن يثبت العكس!

وقرارات الاعتقال جاهزة، والقضايا الملفقة «محبوكة» لمن يقف في صف الحقيقة لينصف مظلوماً، أو يمارس حقه كمواطن.

الشرطة لم تعد في خدمة الشعب، الشرطة لا تري في وجوه المواطنين إلا الإجرام والإرهاب والبلطجة. الشرطة توقع علينا عقوبة جماعية لفشلها في تحقيق الأمن الاجتماعي والحد من الجريمة والعنف.

حتي في أمن الدولة لا توجد بوصلة صحيحة لمعرفة نصير الدولة من عدوها. وبالتالي من السهل أن تخرج من بين صفوفها فرق للشغب بدلاً من فرق مكافحة الشغب. إنها فرق إرهاب السلطة المطلقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق