اعتاد المصريون علي إطلاق مصطلح «تايواني» علي أي منتج يرونه رديء الصنع «بضاعة مضروبة»، ومع الوقت اعتادوا علي التعامل مع كل ما هو «تايواني» من الأدوات الكهربائية إلي سلوكيات البشر إلي قيم العمل، وحتي المنتج الثقافي «الإبداع» تحول إلي بضاعة تايواني!.
وفي مجتمع «تايواني» كهذا، حرص البشر علي تجميل شيء واحد وعدم المساس بقدسيته لأنه ليس من نتاج البشر، وإنما هو «وحي» من السماء وأعني بذلك «الدين» . لكن لأن «النفس أمارة بالسوء» تحول الدين رغم قدسيته إلي تجارة تخضع لفنون التسويق ومقاييس المكسب والخسارة، تجارة لها نجوم يروجون لـ «فتاوي تايواني» في وسائل الإعلام ويغلقون باب «الاجتهاد» ويحرمون علينا كل شيء «أصلي»، ونجوم آخرون يرتدون ثوب الحصانة بشعار «الإسلام هو الحل» !!. أنا واحدة من اللاتي تصورن أن فتح باب الاجتهاد كفيل بتنقية الإسلام من فتاوي التكفير والاستحلال، والخلط بين الجهاد والإرهاب. تصورت أن الاجتهاد وحده سبيل المرأة إلي مفهوم «العدالة» الأصيل في الإسلام، وأنه الطريق إلي التسامح الديني وقبول الآخر وتجاوز محاولات تفتيت العرب بالنعرات الطائفية .
ويبدو أنني أسرفت في التفاؤل، فاجتهاد الدكتور «حسن الترابي» لن يجلب للأمة إلا مزيدا من التناحر والتمزق !. وبداية يكفي أن تكون تلك الفتاوي صادرة عن ناشط سياسي استطاع أن يحول فكر الإخوان المسلمين التربوي إلي منهج «التفاعل السياسي»، وبكثير من العناد والمثابرة أصبح القائد الفكري والسياسي للحركة الإسلامية في السودان، ولفت أنظار العالم بالنتائج المبهرة التي أحرزتها الحركة في انتخابات ١٩٨٦ . وعندما استولت الحركة علي الحكم في عام ١٩٨٩ ظهر طموح «الترابي» للتواجد العالمي ومحاولة التحدث لدي الغرب باسم جموع المسلمين !.
وبعد أن باعدت الصراعات علي «السلطة» بينه وبين أحلامه العالمية لجأ «الترابي» لنقد الذات، وهاجم بعنف ممارساته السياسية السابقة وتبني أطروحات جديدة حول الحرية وتداول السلطة والدفاع عن المهمشين، حفاظاً علي مكانته في التاريخين السوداني والإسلامي «في تجسيد لأعراض البارونويا» !
الآن لم يتبق للترابي مكان في السياق التاريخي للسودان، ولا تتسع له الخريطة الجغرافية الملتهبة بالفتن، إنه في مرحلة «البحث عن دور جديد» يشد انتباه الغرب إليه، فهو لا يريد إلا اعترافا دوليا بأنه مفكر سابق عصره «لاحظ أنه لم يتنازل عن إضعاف النظام ومساندة المتمردين في دارفور» .
اختار الترابي دوراً يناسب المرحلة، يغازل به الغرب من جهة ويقلق العالم الإسلامي الذي خذل مشروعه السياسي من جهة أخري. وفي محاولة لتسويق نفسه لدي الغرب بصورة مغايرة لـ «الشيخ الإرهابي» أطلق الترابي آراءه الفقهية التي يري أنها تكسر حالة الجمود والتخلف التي يفرضها علينا التقليديون . وجاءت نتائج فتاواه المسمومة قبل عدة أيام في صورة زواج سودانية مسلمة من مسيحي أثيوبي !، وهو الأمر الذي سيدخل بعض القبائل المعترضة علي إتمام الزيجة في صدام يعزز صورته عند الغرب. فالغرب يتبع ما يسمي بـ «الزواج المدني» الذي لا يلتزم عادة بديانة الزوجين، وهو الأمر الذي خاضت لبنان حرباً إعلامية وسياسية لتحول دون تطبيقه، رغم أن ظروف الحرب الأهلية هناك دفعت بالعديد لتغيير دياناتهم لأسباب سياسية .
تجديد الخطاب الديني كما يريده الترابي سيصل بنا إلي نمط من «الإسلام التايواني» : «يبيح الارتداد عن الإسلام، ويعتبر الرقص والغناء والموسيقي قسماً من أقسام التوحيد والعقيدة الإسلامية، ويحلل زواج المسلمة من النصاري واليهود، كما أفتي أيضاً بأن الخمور لا تكون جريمة إلا إذا تحولت إلي عدوان» !!. وفي محاولة لكسب موقع بين الإصلاحيين يخلط الترابي ـ بمنتهي الدهاء ـ بين فتاوي تهدم الدين من أساسه، وفتاوي أخري طالب بها أنصار تجديد الفكر الديني ودعاة التنوير ومنها إمامة المرأة للصلاة،
والاختلاط بين الجنسين ومساواة «شهادة» المرأة بالرجل . هو رجل مختلف عليه من جميع الزوايا وهناك من يصفه بأنه «إسلامي براجماتي»، لكن براجماتية الترابي قد توصله لإقامة حد الردة عليه - الذي يناهضه - بعد أن التقت آراء منتقدي فتاواه عند حد تكفيره . فات الترابي أن يقول لنا بعد أن طبقت فتواه بزواج المسلمة بمسيحي، هل أباح تعدد الزوجات لليهود والأقباط .. أم أنها الفتوي القادمة .

