من بين كل شعوب الأرض ينفرد المواطن المصري بمصائب إن تمت إحداها في أي بلد آخر لاستقالت حكومات وسقطت عروش، لكننا نتمتع - دون غيرنا - بصبر لا حدود له وغفران لا مبرر له، اللهم إلا العجز وقلة الحيلة !.
كنت عادة ما أسأل نفسي :«كيف يتسني للجهات الطبية التأكد من خلو دم أي متبرع من الإيدز وفيروسات الكبد؟، خاصة إذا علمنا أن لتر الدم الواحد لا يتجاوز ثمنه قيمة تحليل الأجسام المضادة للفيروسات بدم». وبرومانسية شديدة كنت أهمس لنفسي: «لابد أن الدولة التي تدعم رغيف الخبز تتكبد مشقة الكشف علي دماء المتبرعين».
لكن الرومانسية شئ والواقع شئ، الواقع يؤكد أن أمصال «شلل الأطفال» منتهية الصلاحية، وكذلك مشتقات الدم والأنسولين وألبان أطفال التي تكرم علينا باستيرادها «محمد العبادي» رئيس الشركة القابضة للمصل واللقاح وكلها منتجات وأمصال محظور استيراها!. لا يهم، المهم أن تكييف هذه الكارثة في حق الشعب المصري قانوناً يسمي «إهدار للمال العام» لأن الأمصال منتهية الصلاحية كلفت الدولة ٣٠٠ مليون جنيه!. لكن للأسف لم يخرج علينا أحد ليقول إن من تولي استيراد تلك السموم - في حال صحة الاتهامات - قد قبض مع عمولات تلك الصفقات علي أرواح الأطفال والكبار من أبرياء هذا الوطن .
لم يبشرنا أحد بأنه ستتم محاكمته هو ومعاونوه بتهمة «القتل العمد»، بل تركونا نتابع سجال التصريحات الصحفية بين وزير الصحة الدكتور «حاتم الجبلي» والرجل الذي قضي في المصل واللقاح ٣٩ عاماً من العمل المزمن يديرالصفقات ويرسي مناقصات المباني علي شركات المقاولات، ويبدل مهام تلك المباني قبل أن تشغلها «الفئران»، ويقترض بضمان الشركة القابضة التي يترأسها ثم يقول لنا إنه قفز بالإنتاج من ٢٨ مليوناً إلي ٦٠٠ مليون جنيه. وفي تبجح غريب «يعاير» الحكومة بأنها مدينة بحوالي ٩٠٠ مليار جنيه بين ديون داخلية وخارجية دون أن يحاسبها أحد علي فوائد تلك الديون، فكيف - إذن- يجرؤ وزير الصحة علي محاسبته علي فوائد التسهيلات الائتمانية التي تسير عجلة الإنتاج !.
ما علينا.. ليكن حديثنا عن «الإنتاج» نفسه، أنا شخصياً - لفرط سذاجتي- تعاطيت أمصالاً مضادة لفيروسات الكبد من المصل واللقاح، وواظبت لعدة سنوات علي تعاطي جرعات المصل الواقي من الأنفلونزا هناك، وكلما سمعت أن أحداً «عضه» كلب أو قطة أو فأر نصحته باللجوء للعقار المضاد المتوافر في المصل واللقاح، فبالله عليكم من أين تأتينا الطمأنينة الآن؟
هل أتبني آراء «العبادي» التي يتهم فيها المسئولين بأنهم يخدمون «مافيا الاستيراد» بهدمهم لسمعة الأمصال المصرية، أم أصدق قرار الإدانة المبدئي القاضي بحبس «العبادي» و«أحمد حمدي» ١٥ يوماً علي ذمة التحقيقات ؟.
إن إهدار المال العام والتربح هنا تُهم هينة، لأنها لا تهدئ من روع الأمهات الملتاعات علي مصير فلذات أكبادهن الذين تناولوا لبناً فاسداً أو تطعيماً منتهي الصلاحية. فلا أحد ينظر لجيل قادم قد يكون من «المشوهين»، بدءا من الألبان الملوثة بالمواد المشعة، مروراً بكارثة المبيدات المسرطنة - التي لم تحسم بعد - وصولاً إلي التطعيمات الفاسدة في نفس توقيت «الحمي القلاعية» المنتشرة في اللحوم، و«أنفلونزا الطيور» التي تتحول مع الوقت إلي مرض مستوطن في مصر .


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق