ظن العقل العربي لسنوات طويلة، أن إلصاق وصف "المزعومة" بدولة إسرائيل كفيل بمحوها من الخريطة السياسية، فبقيت إسرائيل وظل العقل العربي علي قناعات لم تحرر أرضا ولم تنصف شعبا !.
وبنفس المنطق نتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين "المحظورة" أو "المنحلة" كما يحلو للبعض تسميتها، وكأن "النفي اللفظي" كفيل بمصادرة وجودها !. لكنهم -للأسف- موجودون بإرادتنا التي سعت للديمقراطية، وموجودون بعجزنا عن مواجهة الفساد وسلبيتنا في الضغط لإحداث إصلاح حقيقي . فوصفهم بالجماعة المحظورة -إذن- لا يعفينا من جرائم بعض من باعوا ضمائرهم لنيل رضا الحكومة، ولا من يأس من تخاذلوا وانسحبوا من الساحة وتوضأوا من رجس السياسة، ولا من تخبط المعارضة وانفجاراتها الداخلية .
تعبير "الجماعة المنحلة" لن يحول دون تعاطف نشطاء حقوق الإنسان مع معتقليهم، ولن يمنع حوار القوي السياسية معهم، وأخشي ما أخشاه عجز هذا التعبير عن عرقلة مشروع دولتهم "الدينية" .
يبدو أن البعض آثر النضال بالكلام فحسب (نضال حنجوري)، واحترف الظهور علي الفضائيات للحديث عن علاقة الإخوان المسلمين بالمنظمات الإرهابية، فيما فضل البعض الآخر البحث عن مصادر تمويلها في خوف حقيقي من اختراق الوطن وحسد لا يخفي.
المؤسف هو ظهور وجوه سياسية (بعضها حكومي) تراهن الآن علي "الدولة الجديدة"، وتسعي لكسب ودها تحت غطاء ديمقراطي يرفع شعار الحوار مع كل "القوي السياسية"، وهو اعتراف ضمني من أقطاب الحزب الوطني بشرعية وجود الجماعة "المحظورة"، بل والسعي لاكتشاف موقفها من مختلف قضايا الوطن، الأمر الذي لم ينكره الدكتور "حسام بدراوي" حتي ولو اعتبر حضوره لمؤتمر موسع مع الجماعة المنحلة "سلوكا شخصيا" !.
أتصور أن الحزب الحاكم ليس بتلك السذاجة التي يظن معها أن لديه القدرة علي اختراق هذا "التنظيم" بسهولة، ولا أحسب أن كوادر الحزب الوطني تسعي لاستقطاب "الجماعة المحظورة" بعد أن نجحت في استقطاب العديد من رموز النخبة السياسية . لا أظن -أيضا- أن الأخوان المسلمين لديهم نية تقديم فروض الطاعة والولاء للدولة فليست هناك أرضية مشتركة تجمع الطرفين بقدر ما هناك "أرض" متنازع عليها بينهما .
ومعظم دوائر الصراع التي تزعج الدولة الآن لا تخلو من أياد إخوانية تحركها، وتشعلها حين تشاء بزعم مناصرة الحرية والديمقراطية فرغم رفضي لمد العمل بقانون الطوارئ لم أجد في مظاهرة الإخوان في المجلس الموقر إلا مزايدة سياسية علي كل القوي الوطنية، ورغم إيماني بالمطالب العادلة للقضاة والصحفيين أشك في نوايا الإخوان خلال دعمهم لتلك الفئات، فهم لا يقدمون شيئا "لله والوطن"، لأنهم محترفون في المقام الأول، ولأن لديهم سيناريو محكما تصل آخر حلقاته إلي "كرسي الحكم" !.
هم -في رأيي - يزيدون الفتنة السياسية لهيبا، وقد نجحوا في استغلال ضعف أحزاب المعارضة وتوسعوا علي حساب الفراغ الذي خلفه غياب بعض تلك الأحزاب، كما نجحوا في استغلال مبادئ "حركة كفاية" وأولها قبول الآخر وأصبحوا جزءا من الحراك السياسي الذي نراهن عليه .
الآن الإخوان من أمامكم والحزب الوطني من خلفكم، وحتي الاختيار ليس من حقكم !. فكلاهما يستعبد الشعب المصري بنفس المفردات، ويخفي بطشه وديكتاتوريته تحت نفس الشعار، ويمكن أن تجري مقارنة بسيطة لتكتشف أن بدائل الحكم أحلاها "مر": الدولة تحكمنا بقانون الطوارئ والقوانين السالبة للحريات و "عبد المنعم أبو الفتوح" عضو مكتب الإرشاد يبشرنا في دولتهم المدنية بالاحتكام للشعب لتطبيق العقوبات الإسلامية ومنها حد السرقة (قتل يد السارق) . فالدولة احتكمت للشعب لمد قانون الطوارئ وكذلك سيفعل الإخوان إذا جاءوا للحكم .. والشعب هو الضحية في كلتا الحالتين. "أبو الفتوح" يحدثنا عن إقامة حد الردة علي "الخارجين عن النظام" وليس علي المرتدين عن الإسلام،
فدولتهم تضمن حرية الاعتقاد، لكنه استحدث جريمة أبشع من "تكدير الصفو العام" المعمول بها حاليا. وحتي لا تطول المقارنة فـ "الدولة المزعومة" ستغتال "الدولة المدنية" باسم (الحرية والعدالة والمساواة والشوري)، والدولة الحالية حكمت علي الشعب بالموت البطئ باسم (التدرج في الديمقراطية والإصلاح)!!. ومابين دولة منهارة وأخري مزعومة لابد أن نبحث عن وطن يمنحنا هويته، لكن الوطن يهبط سعره كل يوم في مزاد الانتهازية السياسية، وربما لن يبقي لنا المزايدون إلا تأشيرة هجرة إلي منفي شرعي اسمه في كل الدول "المعتقل" !!.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق