«الواجب» يحتم علينا أن نكتب ولو بأقلام مكسورة تنزف دما، «الواجب» يحاصرنا في مساحة «ألم» نلعن فيها الإرهاب وننعي ضحاياه، يسلبنا الحق في نقد الذات أو «جلدها» لتثبيت دعائم الأمن الاجتماعي «المزعوم».
ما أسخف «الواجب»!!أليس من حقنا أن نصرخ في هستيريا جماعية لنسأل: لماذا نلتزم وحدنا بالواجب؟ من يسأل دولة «اللواءات» عن «واجبها» في تحقيق مناخ آمن للمواطن؟ واستقرار مفترض للمستثمر؟ وآمان لبدو سيناء؟، ولقمة عيش خالية من الغش السياسي لأبناء هذا الوطن؟من يحاسب الدولة علي التفريط فينا وفي مستقبل أولادنا؟ من يدلنا علي سكة «المقابر الجماعية» لأحلامنا، علنا نلملم أشلاء ضحايا شرم الشيخ وطابا ودهب وميدان التحرير والحسين، ليضمنا «رفات» واحد يجمعنا بالوطن «الذي كان»!
بت أشعر أن شبح الموت يسكنني، يتهددني حين أتابع وحشية قمع المظاهرات المطالبة بالإصلاح، يحاصرني بهراوات غليظة تنسف مفهوم الليبرالية وهي تفض اعتصام القضاة، يعتقلني شبح الموت ضمن آلاف ضاع منهم معني الحياة خلف القضبان، يفترسني بقانون الطوارئ، ينتزعني بقسوة من بين أوراقي الملطخة بألف محظور وعدة قوانين حبس وغرامة.
أليست المأساة في بعض فصولها «رومانسية» للغاية؟ أنا ألوذ بفكرة «الوطن» في فصل رومانسي بعيداً عن كآبة الواقع الذي نحياه.
فإن حاولت الكتابة عن الضربات الإرهابية المتلاحقة التي قصمت ظهر البلد وأدمت قلبه، ألجأ إلي تلك اللغة ربما تعفيني حرج الحديث عن «التهريج الأمني»، لأقول - مثلاً - ثغرة أمنية بدلاً من تقصير أمني، أو أجتهد للربط بين بدو سيناء وتنظيم القاعدة لعل «المصيبة» تصبح مبررة. أو أراجع اتفاقية «كامب ديفيد» المجحفة التي تحول بعض بنودها دون سيطرة أمنية كافية علي سيناء.
أحاول جاهدة الإفلات من الحديث عن «المسؤول» الحقيقي عن هذا التوتر الذي نحياه، لكن صورة الدماء المتناثرة علي عتبات الكنائس، وشهداء الانتخابات البرلمانية تذكرني بأن مصر لم تعد بلد «الأمن والآمان»، أكاد أشك للحظة بأن هناك حربًا معلنة بين أجهزة الأمن وشعب هذه البلد التي لم تعد «محروسة»!!
ألا تؤكد تصريحات اللواء «حبيب العادلي» وزير الداخلية وجود هذه الحرب حين يربط بين أحداث طابا وبين الضربات الإرهابية الأخيرة، ويحمل بدو سيناء مسؤولية الأحداث الأخيرة وكأنه بذلك يبرر ضرب دهب بحملة الاعتقالات الواسعة التي تعرض لها أهالي سيناء، وإهانة شيوخ القبائل، وجرجرة النساء بثياب النوم إلي قسم الشرطة. إذن هو «الثأر».
هل يعلم أحدكم شيئًا عن «صندوق الولاء» إنه الصندوق الذي يدير المخابز التي تورد الخبز لقوات الأمن المركزي! أما القائمون عليه فكلهم من الضباط العاملين بوزارة الداخلية، هذا بالإضافة إلي «صندوق العطاء» و«صندوق تحسين الخدمات للشرطة» وكلاهما يتكفلان بتوفير السمن والسكر والشاي لقوات الأمن بأعدادها الغفيرة!
فهل تحول ضباط الشرطة إلي تجار؟ هل هم «مشغولون» عن «واجبهم» بالمكاسب الوفيرة لتلك الصناديق؟ هل تتفق تجارتهم هذه مع القوانين التي تحكم إنتماءهم لجهاز الشرطة؟ أتمني أن يجيبني أي مسؤول بهذا الجهاز الحساس عن تلك الأسئلة الساذجة. أتمني أن نعرف هل الخروج المبكر من وزارة الداخلية أثر علي الحالة النفسية لرجال الشرطة؟وبدلاً من أن نتلقي كل يوم أسماء وهمية عن رؤوس العصابات الإرهابية نريد إجابة محددة عن «واجب»
رجال الشرطة: التجارة أم قمع الشعب والحركات السياسية المتنامية؟ لا بد أن نعرف لأننا أول من يدفع الثمن من دمنا، أنا أو أنت أو لواء الشرطة أو الفوج السياحي. ولأننا سندفع الفاتورة باهظة من تراجع حركة السياحة التي تتكفل بفتح بيوت مصرية أغلقتها قوات الأمن بإشاعة ثقافة «الثأر» وروح العداء بين الشعب والدولة، وإحلال عبوات مادة TNT محل السلام الإجتماعي.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق