| تخيلت للحظة -أو بالأحري تمنيت- أن تكون هناك صفقة بين الحزب الوطني ونواب جماعة الإخوان المحظورة، صفقة سياسية تقدم بموجبها الدولة وزير ثقافتها قرباناً لثمن أكبر من فهمنا السياسي المحدود !. لست ممن يقبلون «الموت المجاني» أو «الغباء السياسي»، عادة أطمح لأداء رفيع في معارك الوطن، وأتوقع استخدام كل الأسلحة (حتي الصفقات الخفية ) لصالح البلد، لكنني بكل أسف أجدني دائما في مقاعد المتفرجين أندب حظ مصر، أو ألطم أحيانا (بالمناسبة اللطم حرام!)، وأنا أري أصحاب القرار يقدمون البلد مجاناً لقوي الظلام، ويسلمون مستقبل مصر للإخوان المسلمين، وهم يرفعون هتافات الدولة الدينية، ويتطلعون لثواب الجماعة علي روح بلد كان محروساً واختطف منا في «غفلة»!. بلد كان محروساً بعقيدة راسخة لم تهدم الحضارة الفرعونية بحجة محاربة «الوثنية»، بلد ظل محروساً بمفكريه ومبدعيه ومجددي الفكر الديني فيه. بلد احتضن الأزهر وقاوم الإرهاب الديني، ورفض التعصب، وناضل ليبقي رغم الفساد والفقر والقهر. لكنه سقط في لحظة أمام تحالف (الوطني - إخوان). المشهد الذي وصفه الوزير «فاروق حسني» بأنه «سيريالي» فجأة تحول إلي مشهد عبثي تحت قبة البرلمان، حين قررت رموز الدولة الاختباء في خندق الإخوان ورفع المصاحف علي أسنة السيوف للمزايدة عليهم، وهم يعلمون تماما أنه خندق ملغم بفتاوي التكفير، والحجر علي الدولة الكافرة (من وجهة نظر الجماعة)، خندق ملطخ بتاريخ دموي للإخوان، ومدجج بدعاوي حسبة ضد المبدعين. دخلت الدولة إلي مشرحة الإخوان بإرادتها، وتحولت إلي «جثة» تحرض الجميع علي العبث بأعضائها!. وجاءت كلمات السادة النواب محرضة أكثر منها ملطفة لمشاعر الجماهير التي تختصر الدين كله في غطاء الرأس. كان غريباً أن نتابع مباهاة بعض السادة الأعضاء بحجاب زوجاتهم، وصراخ وعويل الآخرين لنصرة الدين الإسلامي التي لن تكتمل إلا بإقالة «فاروق حسني» !. العجيب أن هؤلاء جميعا اجتمعوا علي تسطيح القضية وحصرها في خانة «الحجاب فرض» ليدفعوا بوزير الثقافة إلي مأزق «التكفير». وبدا الأمر وكأن هناك «جلسة استتابة» ستعقد للوزير السبت القادم لإعلان توبته أو الحكم بإراقة دمه. وبذلك اكتملت فصول «المهزلة» التي بدأها نواب الإخوان وأتمها نواب الحزب الحاكم. عادت بنا المزايدة السياسية إلي عصور التخلف التي حذر منها «فاروق حسني» في تصريحاته التي فجرت الموقف، وبدأت موجة إرهاب فكري تتربص بكل من يتجرأ علي الدفاع عن حرية الرأي، وحاول البعض تصوير الدفاع عن الوزير بأنه طعن في الدين الإسلامي أو اجتراء علي الثابت منه. وبكل أسف اختفي كثير ممن يدعون الليبرالية ويتزعمون حركة التنوير - اختفوا خلف ستار «الصمت القاتل» !. قد يعتقد البعض أنني - وبعض المثقفين- ندافع عن وزير الثقافة، لكننا في الحقيقة ندافع عن هذا البلد وبالتالي عن أنفسنا، نتصدي لحملة شرسة ذات أهداف سياسية معلنة هي «الدولة الدينية»، ونواجه محاولات توظيف الدين في المؤامرات السياسية، واستخدام «الحجاب» كوسيلة لنيل الأصوات في انتخابات اتحادات الطلبة، والنقابات المهنية. صحيح أن نواب الأغلبية خذلونا في معركة تسييس الدين، وأن الإخوان نجحوا في جر بعض رموز الدولة للعب علي أرضية دينية، وصحيح أيضا أن الإخوان كسبوا الجولة الأولي بنجاح جعل منهم الأغلبية الفاعلة في المجلس الموقر. وتلك الخسائر المؤقتة قد تسحب البساط من تحت أقدام الحزب الوطني، لكنها لن تجرنا إلي كهوف الإخوان. فخط الدفاع الأخير عن مصر هو دائماً في عقول مفكريها ومثقفيها، هؤلاء علي وعي كامل بعملية اختراق الإخوان للمجتمع من خلال الحلقة الأضعف، وأعني هنا «المرأة»، علي وعي بمخطط الدولة الموازية التي يحكمها الإخوان ويمولونها بالعيادات الصحية، والمدارس الإسلامية،والسيطرة علي مؤسسات المجتمع المدني. لكن الدولة الشرعية لا تسعي لتحرير تلك الأماكن من قبضة الإخوان. الدولة مصرة علي التعامل مع جماعة الإخوان «المحظورة» باعتبارها «ملف أمن دولة»، هم يكسبون كل يوم أرضاً جديدة والدولة تتراجع في مواجهتهم. حتي لم يعد هناك مفر من انضمام نواب الحزب الحاكم إلي الجماعة المحظورة في معركة «الوزير والحجاب». قطعا لا توجد صفقة رابحة لصالح الدولة من هذا التحالف، وربما كانت هناك محاولة لتأسيس كيان سياسي جديد قد يصبح اسمه «الحزب الوطني - الإسلامي»، وساعتها ستولد جماعة موازية تحكم الشارع باسم (جماعة الديمقراطية المحظورة)!!. |
عزا في الغابة
قبل 6 أعوام


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق