إهدار دم «نوال السعداوي»!!- المقال نشر بتاريخ 2 / 3 / 2007

لم أكن مهيأة يوماً من الأيام للدفاع عن الدكتورة «نوال السعداوي»، بل كنت في الحقيقة مستفزة دائمًا، ومتحفزة لنقد آرائها. ربما كنت أشعر أنها تفزع الرجال بجرأتها وتحرضهم ضد المرأة، وأنها تستخدم مصطلحات عدوانية تضر بقضايا المرأة أكثر مما تخدمها!

باختصار اعتبرت اختلافي مع معظم ما تطرحه حالة صحية، تؤكد وجود «الأضداد» في ساحة الكتابة والعمل العام.

لم أنبهر يوماً بكتاباتها، لكنني ظللت مشدودة لنموذج المتمرد إلي حد التهور، أو «الانتحار» لتقديم الدليل علي أنه «موجود»، أو كان كذلك رغم أنف المجتمع. كنت أتعجب كيف استطاعت أن تؤسس مجموعة تتبع منهجها الصادم، وتروج لأفكار لم تنضج بما يكفي لكسر نسق القيم العتيقة. لم أر في عملها «مشروعاً فكرياً» ينتشل المرأة - مثلا - من بئر الأمية، أو ينقذها من أمراض الفقر!!

بل كنت أشعر أن مثلث (السعداوي - حتاتة - حلمي) يناضل برفاهية مزعجة. وظللت أتابع الضجيج المصاحب لكل ما تفعل، من مقالتها المناهضة لختان الرجل!! إلي هوجة التصريحات حول سفرها أو هروبها.

لكن مساحة الاختلاف مع «نوال السعداوي» ليست مشرطا يشق صدرها للتأكد من درجة إيمانها! الاختلاف لا يعني نفي الآخر خارج خريطة الفكر أو إعدامه داخل حدود الوطن. لكن المجتمع المتربص بكل من يمارس الحرية (كما يراها) شمر عن سواعده الطاهرة لجلد «نوال السعداوي».

في تطور خطير لمسلسل التشهير والتكفير، فتحت النيابة العامة ملف التحقيق في دعوي «حسبة»، وعادت «الحسبة» تهدد من يتلبس بجريمة «حرية الرأي» بإقامة حد الحرابة أو حد الردة !!

إنها يوميات الاستسلام لقبضة الإسلام السياسي، تلك التي بدأت بالتفريق بين الدكتور «نصر حامد أبو زيد» وزوجته، وبعد هدنة من سنوات (التقية) أعلن التيار الأصولي أنه يحكم البلاد ويتحكم في العباد.

الحكومة لم تتعظ من سطوة الإخوان التي كادت تطير الوزير «فاروق حسني» من مقعده. بل زايدت علي التيار الأصولي، لتتأكد خسارتها يوما بعد يوم.

وفي مثل هذ المناخ يصبح «إعلان التوبة» إثر التهديد مهربًا عقلانياً، وهذا ما فعله «سيد القمني». لقد عدنا - إذن - إلي تلك السنوات القبيحة التي اغتيل فيها «فرج فودة» حين تصدي لمشروع الدولة الإرهابية.

وكأن الدولة تسلم مبدعيها ومفكريها قرباناً للشعب يتلهي بذبحه وسلخه. فمادام النشاط السياسي محظوراً داخل الجامعة، والتظاهر ممنوعاً علي العمال، وأحزاب المعارضة تنفجر تلقائيا. لابد أن توفر للناس متنفساً، وليس هناك أرخص من دم النخبة المثقفة.

الشعب لا يقوي علي محاربة الفساد، ولا يستطيع مساءلة الحكومة، لكنه يفرغ شحنات السخط والغضب حيثما تشير عصا التكفير!

الناس يئست من معارضة تطلق شعارات سياسية لا يفهمونها، ملت تصريحات لا تترجم إلي لقمة خبز. هناك لغة واحدة سهلة تخترق قلوبهم دون تفكير، لغة تختصر التغيير والإصلاح في شعار: «الإسلام هو الحل»!

هذا الشعار يحدد لهم عدواً لا يتمتع بأية حصانة، عدواً يتلقي كل اللعنات والطعنات باسم الفضيلة أو تحت بند الدفاع عن الإسلام.

الحكومة تعمل بمنطق: «التفكير مسؤولية كل مفكر». أما الأزهر الشريف فقد أهدر دم «نوال السعداوي» بالمطالبة بمقاضاتها. المجتمع علي وشك الانتقال من خانة «أضعف الإيمان» إلي مرحلة إقامة الحد في ميدان التحرير.

مجرد طعنة في صدر «السعداوي» وتصبح الدولة الدينية واقعًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق