لعنة المصريين!!! - المقال نشر بتاريخ 23 / 2 / 2007

وكأنها «لعنة» خرجت من تابوت مومياء مصرية لتستوطن بعض أكباد المصريين.

لعنة كامنة خلف الضلوع، تسبح بين كرات الدم ثم تعود لتتلف موطنها الملتهب، وتدريجيا تحنط موطنها بخلايا متليفة تعجز عن مواصلة الحياة. وهنا فقط يعلم المواطن أنه قد أصيب بلعنة المصريين.

قل: أنا مصري.. وجهي بسمرة «القمح»، غنيت للشمس خلف «سيد درويش» فلفحني لهيبها، وغنيت للنيل مع «عبد الوهاب»، أغراني صوته فتحممت في تلك الترعة الممددة بين الخضرة والصبايا الحسان.

قالوا لي إن «البلهارسيا» أصبحت في خبر كان، فصدقت دعاء أمي : «ربنا يحميك يا ضنايا » ثم تتبعت صوتها العذب وأنجبت أطفالاً إذا تعثر أحدهم أقول له «كبدي.. ياولدي»، الآن فقط اكتشفت معني الضنا.. وثمن الكبد.

في سوق المرض هناك مافيا تحتكر تجارة الأعضاء البشرية، إنها سوق يحكمها قانون الفقر وتتحكم فيها قصور التشريعات.

سوق لا تعترف إلا بسطوة الدولار أو اليوان الصيني، السماسرة فيها أقوي من الأطباء، والمرضي خاضعون لقانون العرض والطلب.

ما أسهل أن تجد متبرعًا (الأدق بائعًا) لفص من كبده أو إحدي كليتيه تطابق أنسجته وفصيلة دمه نفس أنسجتك وفصيلة دمك، لكن المستحيل أن تملك ثمن ما يحتاجه جسدك الهزيل ليواصل مشوار الحياة.

زراعة الكبد تتكلف في أوروبا وأمريكا ٣٠٠ ألف دولار، بينما يجريها الصينيون بـ٧٠ ألف دولار فقط، أما مصر فمازالت تنتظر قانوناً متعثراً في أروقة الجهات التشريعية. ولعل هذا ما خلق سوقا موازية للأسواق الخارجية، فجراحات الزرع الجزئية للكبد (فص من الكبد) تجري بنجاح في مصر، وقطعا تحمي الأوراق المتبرع حتي لا يقع تحت طائلة القانون الذي يجرم تقاضي الثمن.

وإلي أن يصدر القانون أو الفتوي.. من يدفع الثمن ؟. هناك من تظاهر أمام وزارة الصحة يطالب بعقار «الإنترفيرون» لعلاج فيروس (سي)، لكن من يكترث لصرخة مريض يتهيأ لاستقبال سرطان كبد لا يقدر علي استبداله.

هناك آلاف المرضي بفيروس سي لجأوا للعلاج بالأعشاب، وركضوا خلف خرافات لدغ النحل وشرب بول الإبل، هؤلاء خارج الإحصائيات الرسمية ومظلة التأمين الصحي (علما بأن أحد العوامل الرئيسية لسرطان الكبد فيروسات B وC).

علي صفحات «المصري اليوم» كان هناك خبر يبشر المصريين بإجراء أول عملية زرع كبد بمعهد الكبد، دون أن تعلن وزارة الصحة كيف ؟، أو تصرح لنا كم سعر الكبد في السوق المحلية؟

القائمون علي التشريعات تحت قبة مجلس الشعب المواجه لمقر وزارة الصحة للعلاج علي نفقة الدولة ربما يتضررون من تكدس المرضي، لا يشعرون بآلامهم النفسية التي تتبدد مع نقص عقار «الإنترفيرون» وبدء العد التنازلي لأعراض سرطان الكبد.

لكن يبدو أن هناك لعنة أخري تطارد المواطن، فهو ليس سوي رقم في زحام الأرقام القومية، مجرد حالة قد تقل خطورة أو تزيد عن أنواع السرطان الأخري، فكلنا في الهم مرضي.

قانون زراعة القرنية صدر بأعجوبة من مجلس الشعب، إلا أن قانون التبرع لبقية الأعضاء لم يحظ حتي بنظرة في الدورة الحالية.

في الحالات التي عرضها برنامج «القاهرة اليوم» لمرضي زرعوا أكبادا في الصين كان من بينهم عميد شرطة تولت وزارة الداخلية علاجه. كم وزارة أو نقابة في مصر تفعل ذلك؟، بحسب معلوماتي قرارات العلاج في الخارج تقتصر علي المحظوظين أو المسنودين.

قبل أن تطالبوا المواطن البسيط بالتبرع بالدم لتسديد فواتير الفساد، وفروا له مظلة تشريعية وصحية تحميه من مافيا تجارة الأعضاء.

هناك علاقة دم تربط المصري بلعنة الفيروسات، وتقوده لقبر معتم بعد طول معاناة. البعض يشفي من تلك اللعنة بمئات الآلاف من الجنيهات، والأغلبية تطهر جروحها بتصريحات الحكومة.

إذا كانت الحكومة تدفعنا للسوق السرية لتجارة الأعضاء، أتصور أننا جاهزون للبيع، لكننا لا نملك حق الشراء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق