أرشيف المدونة الإلكترونية

البلد بتغرق .. هل يسمعني أحد ؟- المقال نشر بتاريخ 28 / 7 / 2006

في المنفي الاختياري للهاربين من مصر، لا يتساوي شخص مثل الدكتور «نصر حامد أبو زيد» بشخص مثل «رامي لكح» . فالأول أجبر علي هجرة الوطن، حين حاصرته طيور الظلام بدعاوي التكفير فاضطر للفرار بمعتقداته الفكرية وكيانه الإنساني وقيمته العلمية، أما الثاني فهرب محملا بجزء من ثروة البلاد بعد أن حاصرته الديون، وضيقت عليه البنوك الخناق طلباً لمستحقاتها .


في سجل الهاربين أسماء كثيرة، بعضها ترك أحكاما غيابيا بالسجن لتسقط بالتقادم، والبعض الآخر هرب من لعنة البسطاء الذين اغتصب ودائعهم القليلة وحملها إلي باريس ليتزوج من مغربية !! وأقصد هنا «أشرف السعد» أحد أباطرة توظيف الأموال.


موقف السعد لا يعادل موقف الدكتور «ممدوح حمزة» الذي قضي أتعس أيام عمره في مدينة الضباب، التزاما بالقواعد القانونية وانتظاراً للبراءة . 
أنا لا أتعاطف إطلاقا مع الفارين من وجه العدالة، ولا أحترم التهرب من المسؤولية والخوف من سيف القانون لأولئك الذين طالما طبقوا قانونهم الخاص للسرقات المنظمة .


لكن العمل الإعلامي لا يعرف مشاعر الكراهية أو التعاطف ، فمعايير السبق والتفرد، تبدأ من الحياد والموضوعية سواء كنت ضد أو مع الضيف، و أياً ما كان موقفك الشخصي منه .


وهنا لابد أن أعترف بأن لدي الإعلامي «عمرو أديب» أدوات أخري يعبر بها عن موقفه، منها تعابير وجهه التي تفضح أكاذيب الضيف، ورفع حاجبيه مع نظرة استنكار، وأحيانا يلجأ لابتسامة ساخرة تكشف الضيف أمام الجمهور.


وهذا ما حدث في انفراده بلقاء «ممدوح إسماعيل» رئيس مجلس إدارة شركة السلام المالكة للعبارة المنكوب، أو بالأحري الرجل الهارب من ذنوب ١٠٣٣ ضحية الذي يقول إن أزمتهم تسكن رأسه!!.


وللحقيقة لابد - بداية - أن أشيد بتمرس ممدوح إسماعيل ونجله عمرو علي مواجهة وسائل الإعلام، ووضعهما سياسة دقيقة ترفع عنهما مسؤولية الكارثة، وتعطي انطباعا بسلامة موقفهما وحسن نواياهما ومبادرتهما بصرف التعويضات للضحايا.


هناك أيضا تعمد واضح في خطتهما الإعلامية للابتعاد عن شبهة استغلال «الحصانة» والصلات السياسية القوية . لكن للأسف كانت هذه نقطة الضعف التي فضحتهما من أول لحظة، حين أكد «ممدوح إسماعيل» لـ «عمرو أديب» أنه لم يجر أي اتصال بالدكتور «زكريا عزمي»، رغم تصريح الدكتور زكريا نفسه بوجود اتصال عابر أبلغه فيه «صديقه» ممدوح بغرق سفينته !.


كانت هذه «الكذبة» كفيلة بتلقي باقي الأقوال باعتبارها أكاذيب موثقة ببعض المستندات من الجهات الأجنبية، التي يجيدون استخراج الشهادات منها . ولم تكن ملامح الأسي التي تغطي وجه ممدوح إساعيل حين أكد أنه استدان ليستكمل مبلغ تعويضات الضحايا «٣٣٠ مليون جنيه»، إلا تمثيلية سخيفة، أمن عليها نجله بحدوتة بيع الأسهم المملوكة لهما في أحد فنادق إنجلترا .


التمثيلية لم تكن محبوكة لدرجة المرور علي «عمرو» الذي سألهم عن تلك الثروات المتراكمة من احتكار الخط الملاحي «نويبع ـ العقبة»، والسؤال الأهم : هل كان من الممكن الاستمرار في تلك الممارسات الاحتكارية دون غطاء سياسي ؟.


طبعا.. حاول ممدوح إسماعيل التستر علي من يساندونه ويدعمونه، ربما لأنه يخطط للعودة لمصر كما يدعي، وربما لأنه لا سبيل لتصفية أملاكه وإخراج ثروته من مصر إلا «الصمت» .


الفرق بين نبرة «البراءة» في الصوت وعبارات «الدهاء»، كان كفيلاً لنعرف الأب والابن علي حقيقتيهما، لكن تظل النوايا كامنة في الصدور، وتظل باقي أوراق نكبة العبارة محفوظة في درج سري جدا، لما بها من أسماء كبيرة وربما أيضا تجاوزات خطيرة .


لم تصدمني صورة «ممدوح إسماعيل» رغم محاولات تجميلها سياسياً وإنسانياً، لكن ما صدمني هو ما أعتبره «الحقيقة» الوحيدة في هذا السبق الإعلامي : تفريغ أصوات «الصندوق الأسود»، التي جاءت لتؤكد أن هناك «ديكتاتوراً» تعامل بكل عنجهية وغرور مع أرواح المصريين، وأعني به «القبطان» الذي رفض الاستغاثة بالسفن المجاورة بزعم عدم إحداث بلبلة، وكأنه تخلي عن عقله في لحظة عناد، وتصور أنه أقوي من النار، بينما كان أضعف من مواجهة «عار الغرق» .


«المركب هتغرق ياقبطان» .. والقبطان لا يتنازل عن غروره ليطلب النجدة !. 
«المركب غرقت يا قبطان» .. أخيرا استجاب لإعلان فضيحته: «اتصل بعرابي علي تليفونه المحمول» .. لكن بعد فوات الأوان . 
لا الشركة تحركت بالسرعة اللازمة «بدعوي تموين السفن»، ولا العبارة مجهزة بقوارب نجاة. 
إن هناك أوجه شبه -تصل إلي حد التطابق- بين سلوكيات قبطان العبارة وبعض القيادات التي لا تريد أن تسمع عبارة : «البلد غرقت». 
نعم.. «البلد غرقت» لأن نموذج «ممدوح إسماعيل» هو النموذج السائد في مجال «البيزنس» الذي لا يرحم الشعب من الممارسات الاحتكارية ولا يأبه لأرواح من يسقطون يأسا من توافر العلاج أو الطعام أو الكساء . 
«البلد غرقت» لأننا نستغيث طلبا للشفافية وتفعيل الديمقراطية والرقابة الشعبية ولا يسمعنا أحد !. 
«البلد غرقت» تفتكروا ناقصة قوارب النجاة وأطواق النجاة؟! و«اللإيف جاكيت» سترسو علي من؟ ومن وسطاء الصفقة؟ وكم تبلغ العمولات؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق