أرشيف المدونة الإلكترونية

"عفواً".. (وصلة ردح) !! المقال نشر بتاريخ ٨/ ٩/ ٢٠٠٦

لعل أهم أسباب نجاح برامج «تليفزيون الواقع» أنها قائمة علي تعرية النفس البشرية، وكشفها لنقاط الضعف أو القوة في الإنسان بواسطة تعريضه لضغوط عصبية وإغراءات قوية تستنفر غرائزه.


الجمهور شغوف برؤية البشر بدون رتوش أو مكياج، شغوف بالأفعال التلقائية وردود الأفعال العفوية حتي لو كانت عنيفة أحيانا.


الدموع هنا حقيقية بلا قطرة «جلسرين»، والغضب يمكن أن يؤدي إلي نوبة قلبية، والجشع قد يعود بالإنسان إلي تصرفات بدائية!. في تليفزيون الواقع يخلع الإنسان ملابسه أمام الكاميرا، وقد يمارس الجنس علي الملأ (طبعا إذا كان البرنامج أوروبيا)، وأحيانا يتحول إلي «أراجوز» للفوز بجائزة البرنامج.


تلك برامج تكشف حالة اللخبطة الداخلية، وصراع المثل والأخلاق مع شروط «المسابقة»، لكنها في النهاية برامج مثيرة جدا. ودرجة الإثارة تتصاعد كلما زادت حدة «الألم» ليصفق الجمهور.
علي شبكة الإنترنت تصل البرامج الواقعية أحيانا إلي رهان علي أرواح المتسابقين في غرف «القتل العلني»!.


هل يمكن -تجاوزا- تصنيف حلقة برنامج (القاهرة اليوم) باعتبارها حلقة واقعية (بمنهج تليفزيون الواقع) كشفت لنا كواليس الصحافة بصخبها وصراعاتها، وأتاحت لنا (فرجة) نادرة علي قيادات الرأي العام وهم يتبادلون الشتائم!.


مازلت حائرة في تقييم تلك الحلقة، مشاعري مرتبكة تجاهها، أحيانا أحتكم للمعايير المهنية لأجد «عمرو أديب» حقق سبقا بكل المعايير، وأحيانا أخري أدين ضيفيه اللذين تسببا في «فضيحة علنية» للجماعة الصحافية، ثم أعود لأعترف - همسا -: «بكل أسف هذا هو حال الصحافة اليوم».


لم أكن يوما من أنصار «الصحافة السوداء» التي تربط معدلات التوزيع بكم الشتائم التي تكيلها لرموز البلد ومسؤوليه، لكنني لم أكن - أيضا- أشجع (الصحافة العرجاء) التي ترفع شعار: «أنصر الحكومة ظالمة أو مظلومة».


كنت أجد بين الفريقين من يشق صف القطيع ويحاول أن ينتصر لمهنته المقدسة متجاوزا شهوة السلطة التي تحكم رؤساء التحرير ممن فوقه.
كنت أجد من يلبس ثوب الحداد -مثلي- علي حال صاحبة الجلالة، ومن يلعن فريق التطرف في الهجوم علي النظام لدرجة «السقوط»، ومن يلعق الأقدام في نفس الهوة طلبا لرضا النظام الذي يستميت في الدفاع عنه. وبالتالي ظلت لدينا -دائما- صحافة وطنية رصينة، تقف علي أرضية واحدة : «مصلحة الوطن»، وتصل إلي يد القارئ نظيفة من الصفقات والتنازلات ومقالات (الردح السياسي).


وكان الأمل أن تظل تلك الصحافة صامدة رغم حالة الفوضي الصحفية، لكن المشهد الأخير جاء عبثيا، عصيا علي الفهم، ولا أغالي إن قلت مهينا لكل من يحمل عضوية نقابة الصحفيين.


إنها المرة الأولي التي نشاهد فيها تلك الألفاظ علي شاشة فضائية تنقل صورتنا لكل دول العالم، رغم أن بدايات الحلقة كانت مبشرة بحديث متوازن للكاتب المخضرم «مكرم محمد أحمد»، لكن كان بانتظارها فقرة ملغمة بين الكاتب «كرم جبر» رئيس مجلس إدارة روزاليوسف والدكتور «عبد الحليم قنديل» رئيس التحرير المشارك لجريدة الكرامة. الفقرة التي أدارها «عمرو أديب» بطريقة «تقاطع النيران» أشعلت النيران فيما تبقي سليما من ثوب صاحبة الجلالة.


كيف نحافظ علي كرامة للصحفي بعد استخدام ألفاظ من عينة: «ياحمار.. ياحقير» بين اثنين من رؤساء التحرير ؟. وإذا كان الحوار بين القيادات الصحفية يبدأ باتهامات العمالة للمباحث أو للدول العربية، تري هل يصدقنا القراء؟.


بعد وصلة (ردح) لا علاقة لها بأدب الحوار حرص طرفا الحوار (كرم -قنديل) علي الاعتذار للمشاهدين، لكن فاتهم الاعتذار للصحفيين الذين لطخوا سمعتهم!.


هي المرة الأولي التي تبادر فيها النقابة بتوجية «اللوم» إلي صحفي بسبب أسلوبه في لقاء تليفزيوني، لكن من الواضح أنه إجراء لا يشكل عبئاً نفسياً علي الطرفين، ويبدو أن الزميلين (كرم وقنديل) ليسا معنيين بأي خسارة أدبية تخصم من مصداقيتهما!!.


الدفاع عن النظام لا يكون بالإساءة إلي المهنه، والدفاع عن النفس لا يتم بذبح الزملاء، فإذا كان هناك قدر من الاحترام لتلك المهنة لابد أن يتقدم الزميلان (كرم وقنديل) بالاعتذار فورا للجمعية العمومية صغيرها قبل كبيرها.


أما الإعلامي المميز «عمرو أديب».. فقد أفلح في (تهدئة النفوس)، وجعلنا نعيش حلقة من برامج الواقع شعرنا فيها بالفزع.. والحزن.. والغضب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق