أرشيف المدونة الإلكترونية

طلمبة الحكومة مكسورة!! –المقال نشر بتاريخ ٢٠/ ١٠/ ٢٠٠٦

أحيانا أشعر أننا نعيش مشهدا مأساويا في فيلم «عبثي»، كل ما فيه خارج نطاق العقل والمنطق، لا تستطيع التنبؤ بالمشهد القادم، ولا يمكنك وضع تصور محدد لشكل النهاية !!.


ما عليك إلا أن تستسلم ـ في صمت ـ وتنصاع لكل ما يملي عليك من تعليمات (أو أوامر): «اهدموا (عشش الفراخ).. حاضر، أوقفوا خسائر مزارع الدواجن وتناولوا الدجاج علي الملأ، ثم اغلوا مياه الشرب جيدا.. سمعا وطاعة».


نحن شعب مغلوب علي أمره، قليل الحيلة، حين يلح علينا التليفزيون الرسمي لاستصدار بطاقة انتخابية نبادر لإثبات أحقيتنا بالمواطنة، و حين تخصخص الخدمات نتذمر شفاهة من ارتفاع الفواتير ثم نهرول لدفعها بغرامة التأخير وبدل جمع القمامة، وما يستجد من ضرائب وعمولات وخلافه.


الحكومة تتعامل معنا بقانون «الخوف»، تحكمنا بعصا غليظة تسيطر علي جدران المنازل، وكتب المدارس، وصلاحية الطعام.


ونحن لا نمل الشكوي من مناهج التعليم وسياسات الإعلام وحمي الغلاء دون أن نحرك ساكنا. نحن شعب يغري الحكومة بتسميم حياتنا، شعب يستحق كل ما يفعل به وبمصيره ومستقبله !.


نتعامل مع الحكومة وكأنها قضاء من الله لا نملك إلا الرضاء به، والدعاء باللطف فيه. لكنها حكومة قاسية لا تعرف اللطف في معاملة ما يزيد علي سبعين مليون مواطن . الحكومة تطبق شريعة خاصة بها، وسياسة من تصميمها، تحاصرنا بكوارث الإهمال والتسيب لتغيبنا عن طاعون الفساد، وتخدرنا بتصريحات «النفي»، ووعود «الإصلاح» والتغيير، لنظل ننزف حتي آخر جنيه في اقتصاد البلد،وآخر متر من أرضنا، وآخر لسان ينطق بكلمة «لا».


دعك الآن من ضحايا العبارة، ومأساة المعتمرين برا. دعك من شهداء محرقة بني سويف وضحايا أنفلونزا الطيور. نحن الآن أمام كارثة لا تتجاوز طاقتنا فحسب بل تتجاوز خيالنا.


نحن أمام كارثة وطنية لا نعرف حقيقتها، ولن نعرف أبعادها، معلوماتنا عن «وباء الكوليرا» لا تتجاوز دموع العجز أمام شاشة سينما تعرض قري محاصرة بفعل الوباء في الماضي. أما الحاضر فكل معلوماته مشوشة، الحقيقة الوحيدة التي نملكها أن مياه الشرب «ملوثة»، بفعل المجاري يجوز ـ رغم جسامة تلك الجريمة ـ، أوبفعل ميكروب مجهول وهذا أيضا احتمال وارد. لكن يبقي السؤال: «أين المهرب من تلك الحقيقة المفجعة؟».


هل يجد أحدكم نفي وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلي ملاذا آمنا من احتمال دخول وباء الكوليرا الأراضي المصرية؟. هل تفضلون التيفود علي الكوليرا؟.


هل يمكن أن نعول علي التفسير الذي قدمه المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان، ونلقي اللوم علي المواطنين الذين يفضلون «المياه المجانية»، ويحصلون عليها من الطلمبات الحبشية؟.


إذا كنا في عام ٢٠٠٦ نتحدث عن قري تزورها مياه الشرب النقية (أو المفترض أنها نقية) لمدة أربع ساعات في اليوم، وإذا كان الدكتور حمدي السيد رئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب يعترف بأن شبكة الصرف الصحي لا تغطي إلا ٤% من قري مصر، فكيف نصدق الحكومة التي تباهي بإنجازات غير مسبوقة وإنفاق لا حدود له علي البنية التحتية؟.


هل سمع أحدكم عن شيء اسمه (الطرنش)؟، إنه عبارة عن آبار أهلية بديلة للصرف الصحي تنتشر في الريف والأحياء العشوائية. إنه نموذج لعجز الحكومة الكامل ليس عن تصريف شؤون البلد بل عن تصريف مخلفات البشر!.


لا تسل بعد ذلك عن مخلفات المصانع والمستشفيات المليئة بالمواد المشعة والعناصر الكيماوية، وهل يتم صرفها في البحر أم في النيل؟.
نعم النيل شريان الحياة المتصلب،المسدود بالطيور النافقة، الشريان الذي لايزال يستقبل سموما لا يطهرها «كلور الحكومة» قبل أن يصل إلي أحشائنا.


الحكومة لم تفلح إلا في بيع أصول البلد في مزاد الخصخصة، لكن عائد شبكة المحمول الثالثة والبنوك الوطنية لم يطهر مياه الشرب من ذنوب التقصير، ولم يرفع السحابة السوداء عن سماء الوطن، ولم يوقف سقوط الشهداء علي قضبان السكة الحديد.


فهل الحكومة التي لا تستطيع توفير مياه شرب نقية تستحق «الثقة»؟، أم أن سحب الثقة من الحكومة رفاهية لا نعرفها،وبدعة من عمل الشيطان يتحاشاها نواب الشعب في شهر الصيام؟. 
الإجابة غالبا: من لا يعجبه أداء الحكومة.. يشرب من البحر!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق