الفقر يورث "الكفر" .. نشرت بتاريخ 9 / 6 / 2006

هي .. مثل بعض النساء ، فقيرة، «مهيضة الجناح»، رفعت عنها نوبات «الصرع» ثياب «الستر» بمعناه الموضوعي. تعرضت لـ«الاغتصاب» فضاعت من ملامحها براءة العذاري، سرق «الرجل» أحلامها في لحظة اختلط فيها ألم المرض باكتشاف المتعة المحرمة .


لم تعد «منال» تلك الصبية التي تلزمها رعاية خاصة بحكم مرضها، تحولت إلي مشكلة اسمها «العار»، ولعنة تطارد أسرة لا تعرف من ثروات الدنيا إلا «الشرف». وكما هي عادة الفقراء في الأحياء التي يحكمها قانون العيب، ويخضع فيها الرجل لقاعدة: «صلح غلطتك» تم إجبار «المنجد الأفرنجي» علي الزواج من «منال» .


قد تكون منال ارتدت ثوب الزفاف لاستكمال عملية الخداع الاجتماعي والتستر علي الفضيحة، قد تكون ودعتها إلي منزل الزوج زغرودة مبتورة، لكنها قطعاً لم تعرف «الفرح» الحقيقي، ولا مضمون «الزواج» . 
إنها امرأة تتنازعها نوبات الصرع سواء كانت وحدها أو كانت بين ذراعي رجل يوقع عليها «القصاص» في فراش الزوجية، بعد أن ورطته في تكوين أسرة .


هل عرفت «منال» السعادة كأنثي.. لا أعتقد، ربما لم تدرك أصلاً أنها أنثي إلا حين تحرك «الجنين» بأحشائها يعلن قدوم روح بريئة في أعاصير الفوضي التي تبدد إنسانيتها .


لكنها قطعاً عرفت القليل عن معاني الأمومة، أدركت الحد الأدني اللازم لحياة «فارس»: «الحليب والدواء والكساء». 
أول أبجدية الأمومة كما ترجمتها «منال» كانت مسؤولية الأب في «الإنفاق» علي وليدها الصغير، لكن الأب الذي دخل حياتها من بوابة الاغتصاب طردهما معا إلي «الشارع»، هناك حيث تنتشر قطط الليل ويأكل المشردون من أكوام القمامة !.


لا أدري كيف توجهت «منال» - بوعي مشكوك فيه - إلي محاكم الأحوال الشخصية لترفع دعوي «خلع» تنتهي بها إلي بنك ناصر لتقاضي نفقة الصغير. هل وجدت «السند» بين أفراد أسرتها أم أنها نضجت علي نار التجربة، لا أدري، المهم أن البنت الساذجة التي فقدت أعز ما تملك لم تفقد كل سذاجتها، استسلمت من جديد لنفس الرجل، وعادت إلي عصمته ليضيع حق وليدها في النفقة وتعود إلي الشارع من جديد.


«منال» ترتدي حجاباً بسيطاً مثل بنات الأسر «المستورة»، تبحث عن عمل بين دواوين الحكومة التي تداوي البطالة بالتصريحات، تفتش عن يد حانية بين أفراد أسرتها. إنها لم تنس احتجاج الطفل إلي الحليب والدواء .


«لم تحترف» منال البغاء، لم ترضع طفلها لبناً ملوثاً بمال مسروق أو تطعمه لقمة مسممة بالمال الحرام، توجهت - بكل تفاؤل - إلي «الشؤون الاجتماعية» تنقب عن الدولة الغائبة - هكذا هداها تفكيرها- توقعت أن مشكلتها علي رأس الأولويات، لكنها فوجئت برد غليظ من الموظفة «احتمال أن تكون أما»، قالت لها بالنص: «امش من هنا وارمي ابنك في الشارع» !!.


الغريب ليس في غلظة الموظفة ولا قسوة عبارتها، لكن الغريب أن «منال» لا تعرف الشارع جيداً !. وكأنها لم تر صفوف المتسولين المنتشرة علي الكباري وبين إشارات المرور، ولم تسأل عن آباء الأطفال الذين يتسولون العطف بعلبة مناديل ورقية أو وردة ذابلة !.


ربما لم تسكن «منال» في «عشة صفيح»، أو أنها لا تعرف أن هناك أسراً عائمة علي هامش الحياة تعيش في قوارب في النيل !. 
ربما لم تقرأ عن «عبد الحميد شتا» الذي انتحر بعد أن رفضت الحكومة إلحاقه بالسلك الدبلوماسي، أو بالأحري الذي اغتالته الحكومة بعبارة «غير لائق اجتماعياً».


لا تعرف منال أن «الأكابر» - وأولادهم بالطبع - من أصحاب السطوة والنفوذ سرقوا أحلامنا وصادروا مستقبلنا، واحتكروا كل فرص الحياة. لا تعرف أن «الموظف» يعيش تحت خط الفقر، وأن الطريق إلي الثروة يبدأ بفتح درج المكتب لتلقي الرشاوي!.


لم تلجأ «منال» لبتر أحد أطرافها لتحترف التسول، فالقلوب لم تعد تحن حين تري عاجزاً، بل لجأت للحكومة «تصرف مثير للسخرية» وحين عرفت أنها سقطت عمداً من سياسيات الحكومة انهارت وقذفت الطفل بعيداً «تطبيقاً لنصيحة الشؤون الاجتماعية» .


الآن.. تواجه «منال» تهمة «الشروع في القتل»، وتواجه - أيضاً- موجة من استياء الرأي العام فالمجتمع بلا قلب. لم يتذكر أحد وأد الأطفال - في الجاهلية - خشية الفقر حتي جاء القرآن لينهي عنه مبشراً بالـ «الرزق»، لم يعترف أحد بأن «الهيستيريا» هي الحق الوحيد للفقراء في مواجهة حكومة عاقلة إلي درجة «التبلد» !.


صرخت «منال» من ظلم الحكومة -علي طريقتها - لكن الحكومة لا تري ولا تسمع، إنها فقط «تتكلم» !!. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق