كلنا شركاء بدرجة أو بأخري في تحويل الساحة السياسية إلي «كوميديا سوداء».
بعضنا شارك بصمته العاجز علي قبول «البلطجة السياسية» التي بدأت بتوظيف «سكسكة» في الانتخابات النيابية وانتهت بحوار «الأحذية» الذي فرضه «مهدي عاكف»، ورفعه النائب البرلماني «طلعت السادات» شعارا للمرحلة الحالية !!.
هل نحن بحاجة لسبعين مليون (جزمة) كما يطالب بذلك المحامي المعروف «طلعت السادات»، أم أننا بحاجة ملحة للخروج من حالة «الهزل» أو بشكل أدق من فوضي «الردح» إلي حوار موثق بالمستندات قد ينقي رجالات الحزب الوطني من شبهة الفساد، أو يعيد لمصرأموالها المنهوبة.
أنا شخصيا تعجبني شخصية «طلعت السادات»، وقاموسه الشعبي الذي يغازل مشاعر الجماهير . ورغم اختلافي الشديد مع هذا المنهج أتابع بشغف كل ما يقوله النائب الموقر، لأنه ببساطة يجسد صورة من صور مواجهة الفساد بأسلوب «ولاد البلد الجدعان»، لكننا لسنا في عصر «الجدعنة»، لسنا في رواية لـ «نجيب محفوظ» يناضل فيها «الفتوة» من أجل «الحرافيش».
نحن في دولة تحكمها سطوة بعض رجال الأعمال، ونفوذهم السياسي الواسع، وأساليبهم المشبوهة لتحقيق نجومية زائفة.
أقل ما يقال في خطورة «شلة رجال الأعمال» أن أموال البنوك (مدخرات المجتمع ) في قبضتهم، وسواء كانت في صورة قروض أو تجمدت في أصول ثابتة، فإن «هروب» أحدهم من البلد سيحدث هزة اقتصادية لمصر.
نحن في زمن «رجال الأعمال» الذين تغلغلوا في المجالس النيابية لتفصيل قوانين الاستثمار علي مقاسهم، وتعطيل قانون منع الاحتكار وحماية المستهلك. وسيطر بعضهم علي وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وقسم آخرون أراضي الدولة فيما بينهم، قطعوا «الكعكة» بأنصبة متساوية فلم يتركوا شبرا واحدا لأبناء المستقبل .
إنهم يرفعون شعارات براقة: (توفير فرص العمل، ونشر التنمية في ربوع مصر، يزعمون تخضير صحراء «توشكي» التي تعاني الظمأ وتسطير عليها كآبة اللون الأصفر).
إنهم أصحاب الأيادي البيضاء الذين يتبرعون بأموالهم لمنكوبي الزلازل والسيول، ويحولون رعاية المرضي والأرامل إلي أصوات تصب في صندوق الانتخابات !.
لماذا إذن يعترض «طلعت السادات» علي تقسيم أراضي خليج السويس فيما بينهم ؟ هل يتصور أن أي شاب مصري يمتلك خمس جنيهات لشراء «متر» من أراضي الدولة ! ولنفرض أنه يمتلكها فمن أين له بأموال لتعمير تلك الأراضي واستثمار شبابه وعافيته فيها ؟.
لماذا يتصور «طلعت السادات» - بكل رومانسية - أن ضحايا البورصة من حقهم أصلا اللعب مع «الكبار»؟ لماذا يصب كل ذنوب رجال الأعمال علي أحمد عز وحده ؟.
«أحمد عز» احتكر سوق الحديد قبل أن يصبح أمينا عاما مساعدا للحزب الوطني، ورفع سعر الحديد إلي آلاف الجنيهات -لينهار سوق العقار والصناعات المرتبطة به- بالتزامن مع تمويله الحملة الانتخابية للسيد رئيس الجمهورية !!، وفاز بصفقة حديد «الدخيلة» قبل أن يتحول لنجم سياسي أو يصبح الرجل الرابع في الحزب الوطني كما يقول النائب «طلعت السادات».
ثم، ما الذي يضير الدولة في وجود ملياردير يمتلك ٤٠ مليار جنيه وعمره مازال أربعين عاما !، ألا يعلم السادات الصغير أن رقم مليار أصبح عاديا في لغة رجال الأعمال الذين لا يحسبون ثرواتهم كل صباح؟.
علي النائب طلعت أن يحسب المليارات التي هربت خارج البلاد، وأن يوجه طلبات الإحاطة إلي المسؤول عن تهريبها، وعليه أيضا مراجعة قوانين المناطق الحرة التي تؤمن ثروات المليارات و تحميها من «المصادرة» قبل أن يحدثنا عن حل مشاكل مصر بثروة «أحمد عز» و«حسين سالم».
سيادة النائب: لاتحدثنا عن حقوق الفقراء، فحين كتبنا - من قبل- أن الحكومة تعمل لحساب ٥% من الشعب المصري اتهمونا بـ«الحقد الطبقي» و «تطفيش» المستثمرين !.
إن كنت تملك -بالفعل- وثائق تدين النائب أحمد عز توجه علي الفور إلي جهات المساءلة، لكن ضع في اعتبارك أن بيع مصر يتم بشكل قانوي أو بحسب تعبيراتك: (كله في السليم) . فحين يحقق رجل الأعمال المليون يتلقي الدرس الأول وهو «ترتيب الأوراق».
رتب أوراقك إذن - مثلهم - ثم اذهب للنائب العام أو المدعي الاشتراكي إن كنا إزاء قضية فساد، أما إن كانت القضية مجرد اختلاف علي أسلوب حكم رجال الأعمال وعدم تكيف المواطنين مع قوانين «الدولة الجديدة»، فعذرا: احتفظ بـ«حذائك» لزمن آخر تكون فيه «السرقة» بلا حصانة .. والحكم لرجال السياسة وليس لرجال الأعمال.
بالمناسبة ملايين الشعب المصري «حفاة» لا يملكون «أحذية» مناسبة لضرب رموز الفساد.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق