مازلت أذكر تلك المبادرة التي أطلقها المجلس القومي لحقوق الإنسان عقب تأسيسه، تلك المبادرة المجهضة كانت تسعي لإلغاء قانون الطوارئ. وساعتها أطل علي شاشة التليفزيون نقيب المحامين «سامح عاشور» ـ أحد أعضاء المجلس ـ يفسر إمكانية تعديل القانون ليصبح محدداً بمدة زمنية ومساحة جغرافية إذا دعت الضرورة، كما هو معمول به في عدة دول. وكالعادة كانت «الدولة» في مأزق، وسمعنا تصريحات لوزير الداخلية «حبيب العادلي» تؤكد مراجعة قانون الطوارئ، ثم سرعان ما تراجعت الدولة بكاملها عن الفكرة بعد أن امتصت غضب النخبة السياسية لفترة مؤقتة.
مرة أخري سمعنا عن إلغاء قانون الطوارئ و استبداله بقانون لمكافحة الإرهاب خلال حملة الانتخابات الرئاسية . كان برنامج السيد الرئيس واضحاً لا لبس فيه فيما يتعلق بالقوانين السالبة للحريات، وإلغاء الحبس الاحتياطي .. لكن يبدو أن بنود البرنامج الرئاسي قد دخلت دوامة بحث لا تنتهي يدور معها أيضا الوعد الرئاسي بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين !. وأخيراً توصلت أمانة السياسات بالحزب الوطني الديموقراطي إلي ملامح التشريعات المتعلقة بمشروعي قانون الحبس الاحتياطي وقانون مكافحة الإرهاب . وجاءت تصريحات الأمين العام المساعد للحزب "جمال مبارك" في صدر الصفحات اليومية، تبشرنا بمناقشة تلك القوانين خلال الدورة البرلمانية الحالية . لكن المؤكد أن الدورة الحالية للبرلمان لن تشهد مناقشة مشروع جديد لإسقاط عقوبة حبس الصحفيين . فطبقاً لتصريحات الدكتور «فتحي سرور» رئيس مجلس الشعب، فإن مشاريع القوانين التي سبق تقديمها لمجلس الشعب قد سقطت !، وعلينا أن نبدأ من الخطوة الأولي بتشكيل لجنة حكماء لوضع صيغة جديدة لمشروع القانون.
الغريب في عملية إصدار القوانين، أن هناك قوانين تمر مثل «السكين في الزبد»، تناقش بسلاسة وتحصل علي الموافقة بسرعة البرق، وتخرج لتقدم ـ غالباً ـ تسهيلات وإعفاءات لعلية القوم، وتجنبهم ضرائب واجبة مثل الإعفاء من الضرائب علي اليخوت وفيلات الساحل الشمالي والبحر الأحمر! . والأغرب أن الدولة تحدثنا ليل نهار عن عملية الإصلاح السياسي وتعديل الدستور، في مناخ سياسي «أعرج» يسير علي قدم واحدة هي الحزب الحاكم الذي تمكن من تفريغ الحياة السياسية وتفجير أحزاب المعارضة من الداخل !.هل من البلاهة ـ إذن ـ أن ننتظر؟، هل تصديق عملية «البحث» المزعومة شكل من أشكال السذاجة السياسية ؟.
أليست محاكمة «القضاة» الذين أعلنوا عن تزوير الانتخابات النيابية مؤشرا علي أسلوب الدولة في تطبيق ديمقراطية مشوهة وجهها الآخر ديكتاتورية مطلقة ؟.
أنا شخصيا لدي نية صادقة في تصديق الحكومة، لكن ممارساته تخذلني كل مرة، من ملف المعتقلين المتخم بانتهاك حقوق الإنسان إلي الحكم بحبس الزملاء «عبد الناصر الزهيري» و «أميرة ملش» . تصدمني عملية الترويج الإعلامي للإصلاح السياسي في وقت تتراجع فيه الحريات العامة، وكأنها عملية منظمة لضرب مصداقية الحكومة. وأتساءل دائما : «إذا كان الخطاب السياسي الذي يبدأ بتفعيل دور المجتمع المدني ليصل إلي تعديل الدستور، هو خطاب موجه للخارج، ألا يدرك أصحاب تلك الادعاءات أن القوي الخارجية أول من يرصد هذا التناقض الفج بين التصريحات والأفعال!».
إذا كان الرضا الأمريكي المرهون بالدور المصري في فلسطين والعراق يغري بمزيد من «الطغيان» فهذا الرضا لن يدوم . ولا يصح لأي حكومة أن تكتسب قوتها من «الخارج» أو أن يغازل الغرب بخطاب إصلاحي فقد محتواه وصلاحيته . الحسابات لابد أن تبدأ من متطلبات الشارع، وإذا كان «الشعب» خارج حسابات النظام، تصبح الحسبة كلها مغلوطة ولابد من مراجعتها بدقة . الدولة التي «تعيش» بقانون الطوارئ وتعمل بمنهج: الشعب يتلهي بالبطولات الكروية ويرتعد من أنفلونزا الطيور، ونحن نحكم بالحديد والنار ونخرس جميع الألسنة، هي دولة دخلت في طور «الاحتضار» . وتلك قضية محسومة ليست محل بحث.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق