يا أنا.. يا الإخوان!! .. نشرت بتاريخ 7 / 4 / 2006


ما بين "التجميد" أو الانفجار من الداخل تعيش أحزاب المعارضة حالة انتحار منظم.. ربما بدأت عند تأجير حزب العمل للإخوان المسلمين، وربما بدأت قبل ذلك.
فتلك الأحزاب تحمل عوامل فنائها بداخلها، وتعاني نفس أمراض الحزب الحاكم: من حيث تأليه الفرد فيرفع كل رئيس حزب شعار: "أنا الحزب والحزب أنا".. أضف إلي ذلك الديكتاتورية ومركزية القرار في أحزاب هشة كرتونية، تفتقر إلي المصداقية والقاعدة الجماهيرية! أحزاب تعاني الشيخوخة، فمعظمها أحزاب عائلية مغلقة تحكمها دوائر سلطة مطلقة تحتكر أنشطتها،

وعلي رأسها زعامة تاريخية تحكم إرثاً سياسياً توقف نموه، أضف إلي ذلك "فقرا" لا يعانيه الحزب الوطني، وحصارا من قانون الطوارئ، وحظرا من الإعلام الرسمي. وبالتالي قد يبدو منطقيا للبعض دخول أحد أحزاب المعارضة في صفقات سياسية مع الحزب الوطني، أو الخضوع لمهانة قبول الدعم المادي لإصداراتها الصحفية.

قد يجد البعض تبريرًا لقبول أحد أقطاب المعارضة "الدكتور رفعت السعيد" "التعيين" في مجلس الشوري، أو أن يدير الحزب الوطني لعبة الكراسي السياسية مع أحزاب المعارضة في الانتخابات النيابية.وبالتالي كان من البديهي أن يفرز الشارع المصري حركات سياسية جديدة مثل "كفاية"، علها تعبر عن مطالب الشارع بعد أن فقدت الأحزاب "المرخصة" مصداقياتها وتواجدها بين الجماهير وتحولت إلي مقار كرتونية وجرائد متعثرة.
وما بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات النيابية دخلت أحزاب المعارضة "أوكازيون سياسي"، انتهي إلي عملية "تصفية" لأعتي الأحزاب الليبرالية "حزب الوفد" في عملية إرهاب سياسي غابت عنها الدولة وإن ألقت بظلال وجودها في تأخر قوات الأمن عن التدخل، وجرأة الخصوم علي بعضهم البعض بما يوحي بأن هناك "تطمينات ما" تلقاها كل طرف!
بعنترية شديدة يمكن أن نتبني المقولة التي يروج لها الوفديون وعلي رأسهم الدكتورة "إيمان جمعة"، لنقول إن الدكتور نعمان يدفع ثمن ترشيحه لانتخابات الرئاسة. لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، كشفها الدكتور نعمان بنفسه حين خرج من الانتخابات كأسد جريح ليطلق تصريحاته النارية ضد من (عملوا له عجين الفلاحة ليرشح نفسه) من قيادات الحزب الوطني ثم وجهوا له إهانة لا تغتفر بإسقاطه في بعض الدوائر التي يعتبرها "وفدية" بالفطرة!!
وفي تعنت واضح رفض الوفدي البارز الاستقالة من رئاسة الحزب عقب خسارته المخزية، وشن هجومًا ضاريا علي قيادات الوفد البخيلة ورشحها للعمل وزراء مالية عند "شارون"، رغم أنه صرف مبالغ طائلة علي حملته الانتخابية.
السؤال الصعب في تلك الصفقة التي تحول بعدها رئيس الوفد إلي "وجه محروق" سياسيا: هل كان حرقه المتعمد لحزب الوفد أحد فصول تلك الصفقة التي عقدها مع الحزب الحاكم، أم أنه خسر رهانه علي الحزب الحاكم حين قدم موقعه السياسي في تمثيلية الانتخابات الرئاسية دون ثمن يذكر؟
قطعًا.. كان الدكتور نعمان فاقداً لحنكته السياسية في كل المراحل حين صدق وعود الحزب الحاكم وحين لجأ للبلطجة السياسية. لم ينتبه أيضا إلي أن الحكومة أطلقت مارد "الإخوان المسلمين" في رسالة محددة إلي أمريكا مفادها أن الديمقراطية لن تأتي إلا بالفاشية الإسلامية. وحتي تكتسب تلك الرسالة مصداقية وتبدو شديدة الواقعية كان لابد من تعرية أحزاب المعارضة وكشف نقاط ضعفها وصراعاتها. وبذلك اكتمل المشهد السياسي للرأي العام الأمريكي: (أعلنها الحزب الحاكم بوضوح: "إما أنا وإما الإخوان المسلمين").
هذا ما أسفرت عنه الانتخابات النيابية، وتوجهات الشارع المصري التي رأت في مشروع الدولة الدينية الخلاص من لعنة الفساد. حتي الشعب المصري الذي تلاعبت به قوي البلطجة والنوازع الدينية تم تسييسه في خطاب الحزب الحاكم لقوي الغرب الضاغطة من أجل الديمقراطية. والنخبة أيضا أصابها خوف هستيري من قدوم الإخوان إلي سدة الحكم، وبذلك سهل اصطياد بعضهم - أعني استقطابهم - لينضموا إلي خندق الدولة بكل سلبياتها!
الآن.. لم يتبق من أحزاب المعارضة إلا رموزا سياسية خلف القضبان (منهم د أيمن نور ود نعمان جمعة)، ومقار تشتعل بصراع القيادات. فالمعارضة بعض أحزابها ينتظر مصيره أمام لجنة شؤون الأحزاب، والبعض الآخر يجهز أوراقه لتحال إلي اللجنة! قد تكون الدولة قد لعبت دوراً خفياً في خلخلة تلك الأحزاب من الداخل، لكنها في كل الأحوال سقطت بفعل الانتهازية السياسية. لقد دفعت المعارضة فاتورة أمراضها السياسية، لكن الفاتورة الأكثر فداحة ستدفعها الدولة نتيجة تفريغ الشارع وإخلاء الخريطة السياسية للإخوان المسلمين. إذن سيعيش الحزب الحاكم علي أشلاء وطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق