تتبدل الأسماء.. والفساد واحد!! .. نشرت بتاريخ 24 / 3 / 2006


«الفساد» لا يعتمد فقط علي المناخ السياسي والظرف الاجتماعي لينفجر في وجوهنا مثل المارد، فهناك شروط أخري تمكنه من الاستمرار، هذه الشروط تتمثل في السلطة المطلقة وشلة السوء والاستعداد النفسي للسير علي جثث العباد، وبالتالي فالأسماء تتبدل.. والفساد واحد!
يسقط رجال وزارات الإعلام أو الزراعة أو الإسكان ليأتي خلفهم من يتقنون نفس الألاعيب ويطورونها، ليصبح كل عصر أسوأ مما سبقه، وتتحول وقائع الفساد إلي خيال يصعب تصديقه، سواء من حيث مركز الفاسد أو حجم ما نهبه من المال العام أو دور المرأة في لعبته الحقيرة أو تورط بعض المسؤولين معه، ليس هناك أطر نظرية لتحليل ظاهرة الفساد، لكن هناك فرقا شاسعاً بين آلاف «عصمت السادات» الذي هزت محاكمته الرأي العام المصري وبين ملايين «عبدالرحمن حافظ» التي مرت باعتبارها واقعة «عادية»!
هذا الفرق يوضح أن الأموال المنهوبة تقفز من خانة مئات الألوف لتصل إلي المليارات، وبالتالي لابد أن نسأل: هل ما زال لدي البنوك أموال تهرب للخارج؟ هل مازالت مصر لديها أراض تسرق وشركات قطاع عام تصفي في مزاد المحظوظين؟ هل مازالت هناك مراكز لأهل الثقة تمنحهم السيارات المجانية والفيلات بالبخس وقرارات وزنها ألماس؟ هل ما زالت هناك امتيازات توزع علي المحاسيب؟ أليس كل هذا مخصوماً من رصيد الوطن، مسروقاًَ من مستقبل الأجيال القادمة!!
هذا الكلام الباهت لا طعم له في بلد قايض الإحساس بالقيمة مقابل الإحساس بالثمن، وربما يقولون إن من يكتبه يعاني الحقد الطبقي، لأننا أصبحنا كمن يصرخ في الصحراء حين نطالب بحقوق الغلابة وبقطعة صغيرة من «التورتة» للشباب الذي يبحث عن وظيفة تنتشله من عالم الضياع، قبل أن يتحول إلي قنبلة موقوتة علي رغباته الإنسانية الضاغطة ولحظة ضعف أو تمرد.
لأول مرة أحاول فهم صناعة الفساد في مصر، وانتشاره السريع من طبقة لأخري، ومن فئة تستبيح خيرات البلد إلي فئة يفترض أنها مدافعة عن مصالح البلد، ربما لأن ما نسب للكاتب «إبراهيم نافع» رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقاً، هو نفس الموديل السائد في مؤسسات صحفية أخري، وهذا هو المجال الجغرافي لعملي وحياتي. وربما لأنني أعطيته صوتي أكثر من مرة ليصبح نقيباً للصحفيين.
فهل الجماعة الصحفية كانت مغيبة طيلة هذه الفترة؟ أم هل كانت الرشاوي الانتخابية المحدودة تعميها عن حقيقة «إبراهيم نافع»؟ أم أن مبني النقابة الفخم الذي تكفل بإتمامه ضلل الجميع، فحسبوا أنهم نالوا أقصي مكاسبهم المادية بالانتقال إلي مبني مكيف الهواء؟ تلك الافتراضات جميعها تضع الصحفيين وعلي رأسهم صحفيو الأهرام في خانة الاتهام مع «إبراهيم نافع»، لأنها تلغي قيمة الصحافة بمصالح رخيصة، وللحقيقة العيب ليس في الصحفيين الذين انتخبوه ولا في شلة المنتفعين من وجوده. ربما كان العيب في قوة «تعيين» رؤساء مجالس الإدارات التي تجعلهم أنصاف آلهة، وكهنة يحتكرون صكوك الغفران ويمنحونها بسخاء يضاعف من قوتهم،
استغلوا صدور قرار التعيين من مقر الرئاسة لإخراس جميع الألسنة حتي لحظة الخروج الدرامية لجيل من رؤساء التحرير التصق بمراكز الحكم حتي تحول إلي جزء منه. هؤلاء لم تشارك مجالس إدارات المؤسسات ـ ولو بالرأي ـ في اختيارهم، وبالتالي فقدت أي سلطة لمراقبتهم أو محاسبتهم، وللأسف نفس السيناريو قابل للتكرار مع الذين جاءوا من بعدهم ليغيروا «الشلل» ويطوروا أساليب العمل «ضع تحت كلمة العمل ما تشاء من مهام» والغريب أن بعضهم يتصدي الآن لرموز الحرس القديم ويصفي أعوانهم، ويعدد سلبياتهم دون أن يقول لنا أين كان طيلة سنوات عصرهم الذهبي؟قد يري البعض أن تفجير قضية إبراهيم نافع المراد منها إلهاء الصحفيين عن أباطرة الفساد المتغلغلين في دهاليز الحكم، وقد يقول البعض إن علي الجماعة الصحفية تنقية نفسها من شبهة الفساد لكننا للأسف نصفي حساباتنا مع «الماضي».علي كل، فات نقابة الصحفيين في جمعيتها العمومية أن تقر أساليب تضمن شفافية إدارة المؤسسات الصحفية، رغم أنها السبيل الوحيد لعدالة الأجور، وحصول النقابة علي مستحقاتها لدي تلك المؤسسات، فهل نطالب الدولة التي تناصبنا العداء بقوانين الحبس باختيار رؤساء مجالس الإدارات بالانتخاب بدلاً من التعيين أم نطالب الحكومة بتوفير طرق لمحاسبتهم حتي لا تتكرر ظاهرة «نافع» و«رجب»؟ أعتقد أن علينا ضم تلك الأحلام إلي ملف الأحلام المستحيلة وأولها إلغاء قانون حبس الصحفيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق