صدمة سياسية أو لنقل لطمة سياسية أصابت قادة العالم بالدوار، دوار أربك صناع عملية السلام المهترئة في الشرق الأوسط، بعد أن نجحت «حماس» في كسر حالة «الخدر» التي جمدت مصير فلسطين في غيبوبة صناعية من وعود السلام وواقع الاحتلال المر. أفاق العالم ليجد أن «ورقة المقاومة» لم تعد مجرد كارت في يد المفاوض الفلسطيني، بل إن المفاوضات نفسها لم تعد سوي «خدعة» صدقها الشعب الفلسطيني إلي درجة الملل،
وانتظرها علي حافة الاستشهاد، لكن الشعب الذي آمن بأن فرص الحياة تحققها المفاوضات، لم يجن سوي الاجتياح الإسرائيلي مرة تلو الأخري، وحين وجد الشعب الفلسطيني جدار الفصل العنصري يحجب رؤية المستقبل، والعالم يبارك - بصمته العاجز - إغلاق المعابر وقصف المدنيين، كان من الطبيعي أن يعيد الشارع الفلسطيني تقييم خياراته، وأن ينقلب علي السلطة الفلسطينية التي لم يجد منها إلا التهاون في حقوقه ورائحة الفساد بين رموزها، تلك السلطة التي عجزت حتي عن حماية رئيسها «أبو عمار» فخرج الشعب الفلسطيني إلي الشارع ليحميه بتظاهرات لفتت انتباه العالم كله آنذاك.
وفي قلب تلك الأحداث كانت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» حاضرة وفاعلة، تعيش حالة صدام متقطع مع السلطة ومصالحة دائمة مع الشارع. لم تكن تعبيراً فجاً عن مشروع ديني بقدر ما كانت بلورة لمشروع وطني يتبني خيار «المقاومة»، وسواء اختلفنا أو اتفقنا في تقدير نتائج المقاومة المسلحة علي القضية الفلسطينية فقد حسم الشارع الفلسطيني الموقف بالفوز الساحق لحركة «حماس» في الانتخابات. ربما يري المواطن البسيط أن المقاومة إن لم تكفل له فرص الحياة، فعلي الأقل تمنحه الحق في الشهادة!
علينا إذن أن نسلم بأن تركيبة الشارع العربي تتغير، بينما النخب الحاكمة غائبة، والنخب المثقفة تحيا علي إرث أيديولوجي يتحلل من الداخل!!.. الشارع لم يعد لنا، طرد أصحاب المشروع القومي، ليصبح البديل الديني سيد الموقف، وخرجت «حماس» من خندق الحركات المسلحة إلي ساحة العمل السياسي، محصنة بشرعية وجودها الراسخ في الشارع «في سيناريو أشبه بنجاح الإخوان المسلمين في مصر!».
أصبحت سلطة الحكم الآن في يدٍ اعتادت حمل السلاح ومصافحة الموت، وعلي العالم كله أن ينحني لنتائج الديمقراطية في فلسطين، وأن يعترف بالانقلاب السياسي من داخل صناديق الانتخابات، فالتهديد بقطع المعونات عن الشعب الفلسطيني والإملاءات الأمريكية علي «حماس» لن تغير من الواقع شيئاً، صحيح أن أعضاء «حماس» أنفسهم ليسوا مهيئين لإدارة الدفة السياسية بنفس مهارتهم في إدارة عمليات المقاومة، لكن «خالد مشعل» نفسه حتماً سيجد لغة أخري غير لهجة التشدد والتحدي، التي يرد بها علي المطالب الغربية، ويبدو أن بلورة الخطاب السياسي للمرحلة المقبلة مهمة غاية في الصعوبة، فعلي الحركة التي تستمد شرعيتها من الشارع أن تحافظ علي حرارة الشارع ونبضه، وهو ما يتعارض مع حكومة يراد منها استكمال مباحثات السلام، ومغازلة الغرب بما يسمي نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل، وهي أمور «بعضها دعائي» لو فعلتها حماس لنسفت مصداقيتها في الشارع.
الموقف الفلسطيني - عكس ما يتصور البعض - يجسد مأزقاً حقيقياً لـ«حماس» وليس لـ«أبومازن» أو لرعاة عملية السلام، إن القدرة علي الجمع بين الشارع والسلطة لم تحدث إلا في ظل ثورات شاملة، لكننا بصدد «دولة» يختصرون وجودها في عبارة «سلطة الحكم الذاتي»، ومطار مغلق دائماً، وعلم لا يعترف به إلا العرب!!نحن نتحدث عن مشروع لدولتين متجاورتين، بينما النظام الدولي يفكك المنطقة العربية بأكملها لصالح إسرائيل، وبالتالي نعيش في مناخ تصلح فيه «حماس»، كقدوة روحية أو حركة مقاومة مسلحة، لكن أشكال السلطة وأساليب الحكم أمر مختلف تماماً، وهو الاختبار الصعب لحماس في المرحلة المقبلة، وعليها أن تواجه حصار القوي الخارجية وعوامل الانفجار الداخلية.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق