هل يمكن أن نعتبر النتائج الصادمة للانتخابات النيابية بروفة لعملية "التغيير"؟ هل يجوز أن تتحول أصوات الناخبين إلي استفتاء شعبي علي مطالب الشعب من الحكومة القادمة؟.
ربما تبدو الفكرة عبثية ولكن في غياب قياسات علمية للرأي العام يمكن أن نضع ظاهرة البلطجة والرشاوي الانتخابية كمؤشر يحدد حجم "البطالة" التي افترست ضمائر البعض وجعلتهم مجرد سلعة لمن يشتري !. ونتساءل: أليس سقوط بعض رموز الحزب الحاكم مؤشرا علي رفض الناس لـ "الفساد"؟، ألم يتحكم الوازع الديني لدي رجل الشارع في ترجيح كفة نواب جماعة الإخوان المحظورة؟.
هناك شبه إجماع علي شرط واحد في اختيار الوزراء الجدد وهو "طهارة اليد"، أما المطالب فهي كثيرة، لعلها تبدأ من تقديم إقرار الذمة المالية لبعض الوزراء المزمنين عند خروجهم من الوزارة - هذا إذا خرجوا-، أما في حالة بقائهم جاثمين علي أنفاسنا فلابد أن يطبق قانون محاسبة المسؤولين،لتدخل كلمة "الشفافية" التي نطنطن بها ليل نهار إلي حيز التنفيذ؟
ربما تتراوح المطالب الشعبية بين الخيال والرومانسية السياسية. فدعوني أحلم قليلا، ولندخل بوابة التغيير السحرية علنا نجد القانون "سيد الموقف"، فلا أحد ينتهك مبدأ "سيادة القانون" تحت بند: (إنت عارف أنا ابن مين)!!. وساعتها لن تمتد يد مسؤول للمال العام، ستختفي "الرشوة" من أروقة الوزارات، وتتلاشي شلل المحاسيب والأقارب، ويشفي الوزراء من ضعفهم أمام رغبات "الأولاد" والثروات المشبوهة.سيقلص عدد الوزارات وبالتالي تقل مواكب الوزراء التي ترهبنا، وتغلق منافذ السير والمستقبل في وجوهنا !.
في "أحلام اليقظة" أتخيل أن هناك "قانونا ما" سيرد الأموال المنهوبة إلي الشعب، فتعود القصور والأراضي "المغتصبة" ليتم توزيعها علي المواطنين بـ "العدل".. لكنني أسترد وعيي لأكتشف أن هناك المزيد من الأراضي والقصور تتأهل لاستقبال الوزراء الجدد !. وحين أعود لأشكل وزارة متخيلة تعمل لخدمة الشعب وليس لصالح حفنة المنتفعين (العصابة)،أجد بضعة أمتار لمسكن شاب في مستهل طريقه.. وعدة أفدنة صالحة للاستصلاح يستلمها أحد الخريجين، يدخر فيها عافيته وشبابه ليأكل الشعب من ثمارها.. وأقبض يدي علي فرصة عمل هاربة من أغلال الواسطة والمحسوبية التي تحاصر كل كفاءة وتنفي أي موهبة. فقط..أنا أحلم.. بأسرة بسيطة قادرة علي شراء "كسوة العيد" بعدما تحسنت موارد المعلم فلم يعد هناك مجال للدروس الخصوصية.أضع برنامج السيد رئيس الجمهورية أمامي وأسافر علي جناح التفاؤل: "حتما ستلغي عقوبة حبس الصحفيين من القانون.. وتطلق جميع الحريات. فالمجتمع سيشهد حالة "إصلاح سياسي" حقيقي، والديمقراطية تفرض حرية اصدار الصحف و تأسيس الأحزاب و تحمي حقوق الإنسان، سيأتي يوم تلتزم العدالة بعينيها المعصوبة لكنها ستسير بكل قوتها لتنشر المساواة".
سيحررنا الإصلاح الاقتصادي الشامل من عقدة "الخوف" من المجهول، سيحررنا الرخاء من الإحساس بالقهر. وستختفي من قاموس حياتنا الاجتماعية عبارات البطالة والعنوسة والجريمة والعنف. سنصبح مجتمعا آمنا متماسكا من الداخل.
سيحل التواصل الإنساني محل الصراع، وينقي الحراك السياسي من الفوضي والانتهازية، ستشارك المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني في صياغة مستقبل مصر، ستخرج المرأة من قمقم "تاء التأنيث"، وتخمد نار الفتنة الطائفية ليصبح الوطن كله علي قلب رجل واحد. وهنا تسترد مصر "القوية" ثقلها علي الخريطة الدولية وترفض الانصياع للإملاءات الأمريكية.إلي هنا واكتشفت أنني أبحرت طويلا مع أفلاطون في "المدينة الفاضلة". بينما البلد يحتاج إلي "معجزة" لا تتوفر للحكومات. أما "التغيير" الحقيقي فيحتاج لتطوير العقل الجمعي، يحتاج لمواطن يتمسك بحقوق المواطنة ويراقب أداء الحكومة، وللأسف المراقبة عملية محبطة جعلتني أعود لقسوة الواقع لأنتظر بعض الوزراء القادمين لتسلم الحقائب الوزارية وفتحها بـ "طفاشة" !!.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق