| الترمومتر الحقيقي لقياس درجة حرارة أجواء القمم العربية ليس سخونة القضايا المطروحة، ولا مقدار التراشق بالألفاظ أو تبادل الاتهامات. إن شئت أن تحدد أهمية لقاء العرب لا تبحث عن آراء المحللين، بل فتش عن موقف ليبيا من أي قمة عربية لتشخص بدقة حال العروبة. أنا لا أدعي فهم كل ما يطرحه الرئيس الليبي «معمر القذافي»، لكنني أشعر أنه يحترف كشف مواطن الضعف العربي، وأحيانا أشعر أنه ـ مثلنا جميعا ـ يعرف جيداً ما يجب رفضه، لكنه لا يقدم لنا البديل!. إنه نموذج لأولئك الحكام الذين جاءوا باسم «الثورة»، وحكموا البلاد تحت شعار: «التحرر الوطني»، وبالتقادم أصبح وجودهم عبئاً علي البلاد. صحيح أن قائد «الجماهيرية العظمي» وضع نظريات مختلفة للحكم «ليست محل تقييم الآن»، لكنه وجد نفسه أمام نسبة فقر تقدر بحوالي خمس الشعب الليبي!. ولم يجد مفراً من دعوة أثرياء ليبيا إلي «التوبة»، ورد ما «سرقوه»!!. إذا نظرت إلي ليبيا من الداخل ستجد كل أمراض الحكم العربي، بدءا من تأهيل «الابن» ليرث عرش البلاد، وصولا إلي الفساد. لدرجة أن الرئيس نفسه يحذر من انفجار ثورة الفقراء، كنتيجة لما سماه «انعدام العدالة في توزيع الثروة وتهميش الجماهير وحرمانها من المشاركة في الثروة والسلطة»!!. لكن العقيد القذافي يقول في حزم إنه لايزال ممسكاً بـ «صمام الأمان»، وكأي رئيس عربي هو الوحيد القادر علي صياغة واقع بلاده، وإعادة ترتيب توازناتها الإقليمية والدولية. «القذافي» هو صاحب السبق في الاستقالة من جامعة الدول العربية، والانسحاب من أروقة القمة، ممهوراً باسمه. حتي مقاطعته لقمة الرياض لم تمنعه من إعادة المطالبة بتجميد عضوية السعودية أو ليبيا. إنه الحاضر ـ الغائب في قمة الرياض، ربما لأنه يجيد دغدغة مشاعر الجماهير، والعزف علي أوتار اليأس المشدودة في فلسطين، وحبال الأمل الممدودة من سوريا إلي العراق إلي الرياض. لايزال الرئيس الليبي مصراً علي أن «إسراطين هي الحل»، وأن التوجه إلي أفريقيا السوداء هو البديل الأمثل للقومية العربية المتآكلة. يمكنك الآن أن تلحظ خارطة أفريقيا «الخضراء طبقاً لرؤيته» تزين صدره بدلا من عباءة «عمر المختار» التي ظل متمسكاً بها فترة طويلة. يمكنك أيضاً أن تستمتع بالوجوه المتعددة لرئيس عربي تتملكه أحياناً عقلية المفكر السياسي، وفي أحيان أخري تسيطر عليه روح الفيلسوف أو خيال الكاتب الروائي، وتدريجياً ستعتاد أسلوب «الصدمات الكهربائية» الذي يتقنه العقيد «القذافي» ويمارسه متي قرر أن يوجعنا، أو يجعلنا نسخر من أنفسنا إلي درجة البكاء أو الضحك الهستيري!. ما يلفت نظري في تصريحات «القذافي» أنه لا يستخدم مصلطحات دبلوماسية. إن خطابه موجه للشعوب، وبالتالي يمكن ـ تجاوزاً ـ أن تتبني تسميته مجلس الأمن: «مجلس الرعب»!!. إنه يبحث عن آلية لوقف حروب الإبادة التي تتعرض لها الشعوب العربية، ورغم أن تلك الإبادة تتم تحت بصر مجلس الأمن. فإنه يريد الآن من المجتمع الدولي الذي فرض الحصار علي ليبيا، وجعل تعويضات «لوكيربي» سيفاً مصلتاً علي رقبته. يريد منه الآن أن يستجيب لدعوته فيوقف الحروب، وينهي احتلال العراق، ويتوقف عن ملاحقة سوريا. |
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2009
(35)
-
▼
مايو
(16)
-
▼
مايو 16
(10)
- إسراطين هي الحل!!- المقال نشر بتاريخ 30 / 3 / 2007
- «الحلل» .. سلاح الفقراء!! _ المقال نشر بتاريخ 23 /...
- رحم للإيجار ! .. المقال نشر بتاريخ 16 / 3 / 2007
- كلنا في الهم «عرب» !! .. المقال نشر بتاريخ 9 / 3 /...
- إهدار دم «نوال السعداوي»!!- المقال نشر بتاريخ 2 / ...
- لعنة المصريين!!! - المقال نشر بتاريخ 23 / 2 / 2007
- العطار».. بضاعة رخيصة! - المقال نشر بتاريخ 9 / 2 /...
- الاغتصاب الجماعي!! - المقال نشر بتاريخ 26 / 1 / 2007
- المواجهة لاتزال مؤجلة!! _ المقال نشر بتاريخ 19 / 1...
- وزارة «قطاع خاص»!! - المقال نشر بتاريخ 12 / 1 / 2007
-
▼
مايو 16
(10)
-
▼
مايو
(16)
إسراطين هي الحل!!- المقال نشر بتاريخ 30 / 3 / 2007
«الحلل» .. سلاح الفقراء!! _ المقال نشر بتاريخ 23 / 2007
| إنها كارثة، وما الجديد؟! تعبير «كارثة» هو الإيقاع اليومي لحياتنا، هناك ٢٥٠ أسرة مشردة تبيت في العراء، أطفال حرموا من الدفء والحليب، ونساء فقدن الأثاث المتهالك، ورجال لا يعرفون السبيل لستر أعراضهن، إنه مجرد مشهد متكرر!!. صرخة من أحد الشباب في مواجهة عدسات التليفزيون : «معانا بنات ياريس»! نخوة الرجولة تملكته، فلم ير بين الحطام وأطلال الحريق ملامح طفل فطم علي الحزن، فعجز حتي عن البكاء. في المناطق المسماة «عشوائية»، ملاك الموت يفرض قانونه دون تمييز، والأزقة الضيقة التي تتسع لجلسات النميمة بين النساء، وتضم المشردين دون تذمر، تتحول إلي مقابر عامة حين تفرض الكوارث وجودها. لكن النساء اللاتي يعشن علي هامش الحياة، قررن الانتقال إلي بؤرة الضوء، هن لا يعرفن أدوات التظاهر، أو بالأحري لا يملكن رفاهية اليافطات والميكروفونات، كل ما بحوزتهن (أغطية الحلل). فالحريق التهم «قلعة الكبش» في ساعات قليلة . النساء قدن الرجال للتظاهر أمام مجلس الشعب، ورئيس المجلس الدكتور «فتحي سرور» غارق بين مواد الدستور. إنه نائب دائرة السيدة زينب مكان الكارثة، لكنه في ذلك اليوم المشؤوم كان يحصد أصوات «الأغلبية» ليحكم سيطرة الحزب الحاكم علي الوطن. الدكتور «سرور» كان يتابع هتافات أعضاء المجلس الموقر، التي تبدأ بصيحة :«بالروح بالدم نفديك (!!!)»، ثم ينتهي الهتاف إلي خيارات تتراوح بين «الحاكم» و «الإسلام» و أخيرا «مصر»، وأحسبه كان فرحا بنتيجة التصويت علي «سلق الدستور». وفيما أهالي الدائرة يلطمون الخدود، كانت المعارضة والنخب السياسية تندب بطريقتها، والأمن يطوق «الغضب» في كل مكان . لكن «ثورة الجياع» أعلي صوتا من مطالب الحرية، إنها ثورة مكبوتة خلف جدران واهية من الصفيح، إذا انطلقت من البؤر العشوائية لن توقفها قوات مكافحة الشغب، ولا تصريحات خطط تطوير العشوائيات . «العشوائيات» تحولت إلي حزام ناسف يطوق العاصمة، صحيح أن مليارديرات البلد أنشأوا لهم حصونا مغلقة خارج كردون المدينة، وخلقوا مجتمعات تقتصر عضويتها علي أصحاب الأصفار الستة أو المناصب الحساسة، أموالهم في بنوك سويسرا، وأولادهم في الجامعة الأمريكية، حتي الاستثمارات عرفت طريقها إلي أوروبا وأمريكا، لكن العشوائيات ستظل قنبلة قابلة للانفجار في مقارهم التي تحتل المناطق الراقية. هل عرفت الآن سبب هدم منازل المتضررين من الزلزال بالقطامية؟ الطبقة الجديدة التي تسيطر علي الثروة والسلطة كانت تتحسب للحظة الخروج الجماعي من خنادق الجريمة والإرهاب. وبدهاء قررت أن تقتصر المواجهة علي الفقراء والطبقة الوسطي !. لكن ما يستعصي علي الفهم أن الدول التي دمرتها الحروب لم تشهد هذا الانهيار الاقتصادي!. إنه الفساد «النكسة الجديدة» !!. «المهمشون» اخترقوا قلب العاصمة، اعتصموا ـ دون تدريب سياسي ـ أمام مجلس الشعب، لم تتبق -إذن- إلا خطوة واحدة ويعيدون توزيع الثروة بطريقتهم. الدستور (بعد التعديل) أطاح بفرص العدالة والمساواة، لكن هناك قطاعا ليس معنيا بالدستور، إنه يفرض العدالة بـ «أغطية الحلل». بعد مظاهرة الحلل، صدرت جرائد الخميس تبشر ضحايا حريق «قلعة الكبش» برعاية السيد رئيس الجمهورية، وتوفير المساكن اللازمة لهم!!. لكن رقعة العشوائيات ستتسع، والحكومة ستخفي مفاتيح المساكن المغلقة بعناد.. الضحايا لا يموتون في صمت دائما، أحيانا تتحول الجنازات إلي حالة «عصيان مدني». |
رحم للإيجار ! .. المقال نشر بتاريخ 16 / 3 / 2007
| ما أرخص الإنسان في هذا البلد! إن سعره لا يتعدي جنيهات قليلة في سوق الانتخابات، ولا يتجاوز خانة الصفرين في وظائف الحكومة التي تتستر علي البطالة. المواطن يسكن خانة الآلاف فقط إذا دخل تابوت ضحايا عبارات الموت، أو تبددت جثته علي قضبان السكك الحديدية. (٥ آلاف جنيه للمتوفي وألف جنيه للمصاب)، إنه الختم المنحوت علي مقابر الصدقة والمجهولين !. لكن «قانون الفقر» رفع سعر الإنسان في مزاد قطع الغيار البشرية! فلديه قطع كفيلة بشراء الحياة (لمن يملك).. فص من الكبد أو كلي قد يغير ملامح الواقع التعس، الفقراء لا يعرفون «التبرع بالأعضاء» ربما لأنهم لم يدركوا من قيمة الحياة إلا الشقاء ولعنة الاستمرار، «لتر الدم» في قاموس الفقراء يساوي زجاجة حليب للصغار أو كيلو لحمة، وأحيانا علبة دواء. إذا نظرت إلي تزايد معدلات الفقر بشكل موضوعي، ستجد نفسك في مواجهة الحكومة التي خصخصت حتي الوزارة لصالح رجال الأعمال، ستجد بين يديك تقارير هائلة عن الفساد وسوء الإدارة ونهب أموال البنوك، وتفصيل السياسيات الاقتصادية علي مقاس شلة المنتفعين. المدهش أنك ستجد عدة أسماء مصرية بين مليارديرات العالم، يحدثونك دائما عن فرص العمل التي يوفرونها لشباب مصر، وعن دورهم في تنمية المجتمع، ورعاية البحث العلمي والأرامل واليتامي وذوي الإحتياجات الخاصة.. إلخ. ستجد مقالات تهلل لما يسمي «الرأسمالية الوطنية»، ومقالات أخري تلعن زواج السلطة بالثروة، ستجر إلي إحصاءات رسمية مستفزة عن غد واعد بالرخاء !!. «الفقر» لا يحتاج إحصاءات، بل يحتاج حساً إنسانياً لفهمه واستيعابه، لست مضطرا لدخول متاهة تعديل الدستور لتحقيق العدالة والمساواة لتفهم آلام الفقراء.. فقط تحتاج إلي «قلب» يحتوي الضعف الإنساني. قلب يفهم إعلانا منشوراً علي الإنترنت لشابة تبلغ التاسعة والعشرين، تعلن عن رغبتها في تأجير رحمها مقابل خمسة عشر ألف جنيه للحمل الواحد (٢٥٠٠ دولار) ونفقة ثلاثمائة جنيه عن كل شهر حمل!!. الغريب ليس في طريقة تسويق الأرحام للإيجار، ولا في الفتاوي الدينية التي تجرّم تأجير الأرحام، ولا حتي في تناقض الآراء الطبية التي تتراوح بين اكتساب الصفات الجينية من الأم الحاضنة من عدمه. لكن المفزع أننا لم نسأل: ما الذي اضطر تلك المرأة لعرض رحمها للإيجار؟! إنها أم لولدين تعرف معني الحبل السري الموصول بين الأم ووليدها، ورغم ذلك قررت أن تؤجر رحمها لمن يدفع الثمن ؟. هذا الخبر هزني بعنف، ذكّرني بكلاسيكيات السينما المصرية التي تروي قصص أمهات يبعن أطفالهن ليطعمن باقي الأسرة.. تلك الروايات التي أصبحت واقعا معاشا نتابعه.. دون أن يهتز لنا جفن. وكأن «الفقر» خلق سوقا جديدة لا تحتكم للأخلاق ولا تعترف حتي بغريزة الأمومة.. سوقاً ينظمها قانون: (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، فيقتل الفقر الكامن بين الضلوع بانتحار جزئي، يدفن خلاله عضوا يمد الحياة في جسد آخر، ليصدر شهادة وفاة للدولة بمعناها السياسي وجدوي وجودها الاقتصادي. |

